دراسات قانونية

دراسة و بحث حول المحاولة في القانون الجنائي

المحــاولــة في القانون الجنائي

فهرست

١ المحاولة أو الجريمة الناقصة ( أو المبتورة )(١)
٢ أنواع الجريمة المبتورة
٣ I ـ الجريمة المعطلة أو الشروع في الجريمة :
٤ أ ـ أركان الشروع:
٤.١ 1 ـ الركن فقه القضائي : البدء في التنفيذ :
٤.١.١ الاتجاه الموضوعي : يعتمد ماديات الفعل
٤.١.٢ المذهب الشخصي :
٤.١.٣ موقف فقه القضاء التونسي :
٤.٢ 2 ـ الركنان التشريعيان :(العدول الاضطراري ـ القصد الجنائي).
٤.٢.١ أولا ـ العدول الاضطراري :
٤.٢.٢ ثانيا ـ القصد الجنائي :
٥ ب ـ عقاب المحاولة :
٥.١ 1 ـ الجرائم المعاقب عنها :
٥.٢ 2 ـ مساواة عقاب المحاولة بعقاب الجريمة التامة :
٦.١ أ ـ الجريمة الخائبة :
٦.٢ ب ـ الجريمة المستحيلة :
٦.٢.١ أولا ـ الاتجاه المتطرف في إمكانية عقاب الجريمة المستحيلة :
٦.٢.١.١ 1 ـ عدم معاقبة الجريمة المستحيلة (النظرية الموضوعية) :
٦.٢.١.٢ 2 ـ معاقبة الجريمة المستحيلة (ذاتي)
٦.٢.٢ ثانيا ـ الاتجاه التوفيقي في حالات معاقبة الجريمة المستحيلة :
٦.٢.٢.١ 1 ـ الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية :
٦.٢.٢.٢ 2 ـ الاستحالة المادية والاستحالة القانونية :
٦.٢.٢.٣ الهوامش
٦.٢.٢.٤ مقالات ذات صلة
٦ II ـ الجريمة غير المثمرة (الخائبة والمستحيلة) :

المحاولة أو الجريمة الناقصة ( أو المبتورة )(١)

إن الجريمة جملة أعمال مترابطة تشترك وتتعاون في الوصول بالمجرم إلى هدفه. فتحقيق النتيجة يمر بأدوار ومراحل متعاقبة يوازن خلالها الشخص بين إرضاء شهوته و تحقيق نزوته، وبين جسامة الجزاء الذي سيحل بجسمه أو بذمته أو بسمعته، فهو بين هذا وذاك يتردد مدة طالت أم قصرت قبل أن يقرر أي الطريقين يسلك. فإذا ما اختار بعد التفكير ومراجعة النفس أخذ وجهة الجريمة،فإنه سيفكر في تحري أقرب السبل وأوكدها في الوصول اليها، ثم سيننصرف إلى تهيئة الوسائل التي تعينه في سبيله، ليردف ذلك بالتنفيذ إن بقيت له الإرادة المصممة والعزم الثابت على ارتكابها. وهكذا تتحلل الجريمة إلى مراحل متتابعة متواصلة، تتمثل في: – انعقاد النية أو التفكير. – وإعداد العدة أو التحضير. – والبدء في التنفيذ. – ثم إتمام التنفيذ بعد ذلك. وهذا التسلسل في المسلك الاجرامي يطرح تساؤلا جديا حول تحديد المرحلة المعاقب عليها جزائيا. وهل نعاقب على الجريمة التامة فقط ؟ أم يمكن أن نعاقب حتى في حالة الجريمة الناقصة بجميع صورها؟ مبدئيا هناك إجماع على اعتبار مرحلتي التفكير والتحضير غير معاقبتين.

فالتفكير هو:

مرحلة الخواطر الذهنية أو النفسية في نشاط الجاني ، إذ مازالت إرادته الإجرامية في طي الكتمان لم تبرز إلى الخارج في صورة فعل مادي. وعلة الإباحة لهذه المرحلة هي :

1 ـ إن مبدأ حرية التفكير مكرس دستوريا. 2 ـ النوايا أحاديث نفس يصعب إثباتها ما لم تتخذ مظهرا خارجيا. 3 ـ إن معاقبة التفكير تشجع على إتمام ما فكر المرء به وبالتالي فمن الأفضل ترك باب العدول مفتوحا أمامه ترغيبا له في التراجع عما فكر فيه.

لكن خطورة بعض صور التفكير وإمكانية إحداثها قلقا اجتماعيا دعت المشرّع إلى تجريمها ولو لم تكن مثل هذه الأعمال قد خلفت ضررا ماديابعد ومن أمثلة ذلك: ـ جريمة الفصل 131 م.ج المتعلق بجريمة الوفاق الجنائي وتشارك المفسدين. ـ جرائم الفصول 68 ـ 69 ـ 70 م.ج المتعلقة بالمؤامرات الواقعة على أمن الدولة الداخلي. والعقاب هنا واجب ولو لم يتبع العزم فعل تحضيري أو ارتكاب أي جريمة أخرى.

الى جانب أن التفكير يكون أحيانا ظرف تشديد إذا ما تم تنفيذ الجريمة التي تم التفكير بها وهو ما يسمى بالإضمار.

أما الأعمال التحضيرية:

فهي تتعلق بتهيئة الوسائل اللازمة لإتمام ما عقد الفاعل العزم عليه وهي الخطوات التي تعقب نشاطه نحو ارتكاب الجريمة، فتأتي بعد التفكير والعزم فتبرز ماديا في العالم الخارجي بأعمال مادية ملموسة، حيث يختار الفاعل الوسائل الضرورية لتنفيذ جريمته والظروف المناسبة لذلك، كمن يعد السلاح الذي سيستعمله في قتل غريمه ويتأكد من صلاحيته لذلك بغية ضمان وصوله إلى هدفه. فالأعمال التحضيرية تتعلق بتهيئة الوسائل لإتمام ما عقد الفاعل العزم عليه وهي خطوات تخرج عن نطاق التفكير في الجريمة وتقترب من مرحلة التنفيذ، وهذه المرحلة غير معاقب عليها مبدئيا وذلك تشجيعا للعدول وعدم إتمام الجريمة. وعلة الإباحة المبدئية للعمل التحضيري في كونه عمل مبهم ولا يمكن معرفة الغرض منه (٢)

لكن المشرع مع ذلك جرم بعض الأفعال التحضيرية واعتبرها جرائم مستقلة مثل: ـ حمل سلاح بدون رخصة (21/06/1945). ـ تقليد المفاتيح أو صنعها مع توقع استعمالها في جريمة سرقة (ف 274 م.ج). ـ الدخول إلى محل الغير دون رضاء صاحبه (ف 256 م.ج). وبعد تجاوز المرحلتين السابقتين نكون قد وصلنا إلى مرحلة البدء في التنفيذ وهذه المرحلة قد تتم فتقوم الجريمة تامة الركن المادي، وقد يحول دون إتمامها عوامل أخرى وتصبح بالتالي الجريمة ناقصة أو مبتورة. فما هي الجريمة الناقصة؟ وما هي صورها أو أنواعها؟

أنواع الجريمة المبتورة

تنقسم هذه الجريمة إلى نوعين فهي إما : ـ معطلة وتسمى شروع أو بدء في التنفيذ. ـ أو غير مثمرة وتنقسم هذه بدورها إلى خائبة ومستحيلة.

وقبل تحليل هذه الصور للجريمة الناقصة لابد من التعرض إلى موقف الفقه من العقاب عليها إذ يوجد اتجاهين :

  • ـ الأول موضوعي : يتبناه الفقه الألماني: يعتبر أن الجرائم بنتائجها، فهي إخلال بالنظام العام. و الجريمة المبتورة لم تمس بهذا النظام العام لغياب النتيجة الإجرامية، وبالتالي فهي لا تستوجب العقاب.
  • ـ الثاني ذاتي: يرى أنه من العبث انتظار نتيجة الجريمة التي لن يكون بالامكان تفاديها بعد ذلك، فلابد من تسليط العقوبة على الإرادة الجنائية كلما تجسمت في أعمال خارجية ولو لم تصل بعد مرحلة إتمام الفعل الإجرامي. وسنرى أن الغلبة في التطبيق كانت للتيار الذاتي، رغم اختلاف الحل باختلاف الصور.

I ـ الجريمة المعطلة أو الشروع في الجريمة :

نظم المشرع في الفصل 59 م.ج الجريمة المعطلة، فهذا الفصل ينص على أن: 1. ـ محاولة ارتكاب جريمة موجبة للعقاب. 2. ـ تعاقب المحاولة بنفس عقاب الجريمة التامة. 3. ـ العقاب واجب في الجنايات فقط ما لم يوجد نص خاص يعاقب على محاولة ارتكاب جنحة، أما المخالفات فلا عقاب على محاولة ارتكابها. 4. ـ إذا كان تعطيل الجريمة أو عدم حصول القصد منها ناتجا عن إرادة الفاعل فلا عقاب.

لكن هذا الفصل ناقص مقارنة بالتشريعات المقارنة، إذ أن المشرع لم يحدد فيه أي طور من أطوار الجريمة يعتبر محاولة معاقب عليها؟ هل هو التفكير، أم التحضير، أم البدء في التنفيذ ؟ فهل يمكن القول أن هذا السكوت مقصود لإعطاء النص حركية تتلاءم ووقائع كل قضية على حدة؟ ولكن إذا كان السكوت مقصودا فعلا ألا يعتبر هذا مسا بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ؟ ألم يكن من واجب المشرّع أن يحدد الأفعال المعاقب عليها وتلك غير المعاقب عليها ضمانا للحريات الفردية وتجنبا لتضارب موقف القضاء؟

فالتشريعات المقارنة أشارت صراحة إلى عنصر البدء في التنفيذ واعتبرت أن مرحلة التجريم تبداء عندما يصل الجاني إلى تلك المرحلة فقط. فالمادة 45 من قانون العقوبات المصرية تنص على أن “الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جريمة”. أما الفصل 5 ـ 121 م.ج فرنسية فإنه يعتبر أن المحاولة تتكون بمجرد البدء في التنفيذ ما لم يقع العدول عنها أو لم تحقق آثارها إلا بسبب ظروف خارجة عن إرادة مرتكبها. لكن فقه القضاء التونسي تولى سد هذا الفراغ التشريعي، فمحكمة التعقيب تعتبر في فقه قضاء مستقر لها أن الشروع هو البدء في التنفيذ. وبهذا أصبحت أركان المحاولة كاملة (أ) وبتوفرها يكون العقاب مستحقا (ب).

أ ـ أركان الشروع:

يرتكز الشروع في القانون التونسي على ركن فقه قضائي(1) وركنان تشريعيان(2).

1 ـ الركن فقه القضائي : البدء في التنفيذ :

إن الانتقال من مرحلتي التفكير والتحضير إلى مرحلة بدء التنفيذ هو انتقال من مجال الإباحة إلى مجال التجريم.

مما يعني أنه لابد من معيار ثابت يميز بين مرحلتي التحضير وبدء التنفيذ باعتبار أن هاتين المرحلتين تكتسيان طابعا ماديا يؤدي إلى امكانية الخلط بينهما. فهناك من الأعمال ما هو واضح ولا يثير أدنى صعوبة على أنها تحضيري، وذلك لبعده عن الجريمة ولعدم وضوح القصد منها.

كما توجد أعمال واضحة على أنها تنفيذية لاقترابها من ماديات الجريمة. مثل من ضبط وهو يفتح خزانة أو يكسر بابا. لكن توجد أعمال يصعب تحديد هل هي تحضيرية أم تنفيذية كمن يضبط وهو يحمل سلاحا في المكان الذي يتردد عليه غريمه. لهذا حاول الفقهاء إعطاء معيار واضح للتمييز بين العمل التحضيري والعمل التنفيذي فانقسموا إلى اتجاهين : موضوعي وذاتي.

الاتجاه الموضوعي : يعتمد ماديات الفعل

ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن الشروع هو كل الأعمال التي يأتيها الجاني وتمثل جزاء من جريمة وإذا لم تكن كذلك فهي غير معاقب عليها.

فلتطبيق هذا المعيار ينظر إلى الجريمة المزمع ارتكابها، وينظر إلى ما قام به الجاني فإذا كان فعله جزءا من ركنها المادي أو من الظروف المشددة للجريمة فإن ذلك يعد عملا تنفيذيا، وإن كان خارجا منفصلا عنها فذلك يعد عملا تحضيريا. فالأعمال التنفيذية هي الأعمال التي تتكون منها الجريمة حسب نص التجريم، والتي تخرجها إلى الوجود، بخلاف الأعمال التحضيرية فهي الأعمال التي تسبق تنفيذ الجريمة وتهدف إلى تسهيلها وجعلها ممكنة الوقوع، دون أن يكون ركنا من أركانها الداخلة في تعريفها القانوني أو من الظروف المشددة لها.

جزء من الجريمة ولا تتصور الجريمة دونه أو هو ظرف تشديد. -¬- فالعمل التنفيذ عمل سابق عن الجريمة ومستقل ولا يدخل في مكونات الركن المادي لها¬والعمل التحضيري ، ولايعتبر من بين ظروف التشديد .

فحسب المدرسة الألمانية (فورباخ) فالعمل التنفيذي على خلاف العمل التحضيري هو الفعل الذي يملك قوة تحقيق النتيجة المرجوة من طرف المجرم فهذا الفعل التنفيذي يجب أن يكون في علاقة ضيقة ووطيدة بالجريمة.

المذهب الشخصي :

يعتمد أصحاب هذا المذهب على الحالة النفسية للجاني ، أي الإرادة الاجرامية، يعتبر الشخص في نظرهم شارعا في التنفيذ منذ اللحظة التي قرر فيها وبدون رجعة ارتكاب فعلته، لأن نيته الإجرامية تمثل مصدر قلق وخطر على المجتمع. وبالتالي فلا فرق بين الأعمال التنفيذية والأعمال التحضيرية بالنسبة لدعاة هذه النظرية، وكل فعل تبرز من خلاله الإرادة الإجرامية يدعو بالضرورة إلى الردع والزجر. فالبدء في التنفيذ يتوفر إذا كان الفعل الصادر عن الجاني يؤكد إرادته الإجرامية بحيث لا يبقى بين ما صدر عنه وهدفه غير خطوة قصيرة لو ترك وشأنه لخطاها حتما فالمعيار هنا هو العزم النهائي على ارتكاب الجريمة وليس القيام بارتكاب أحد مادياتها فعلا. لذلك فإن هذا المعيار صعب الإثبات، وهو يوسع نطاق الأعمال التنفيذية إلى درجة قد تخل بمبدأ الشرعية الجنائية. لذلك حاول اصحاب هذه النظرية الايطالية التركيز أساسا على التفرقة بين: الفعل المرتكب ذي الدلالة الغامضة ؛ أي الذي يحتمل عدة تأويلات (فهو عمل تحضيري). والفعل ذي الدلالة القاطعة ؛ أي الذي لا يحتمل إلا تأويلا واحدا ولا يترك مجالا للشك حول القصد الجنائي للمجرم (وهو عمل تنفيذي).

فالشخص الذي يوقع امرأة أرضا في الوضع العادي للجماع ويبدأ في نزع ملابسه الداخلية ويضبط عند ذلك يعد شارعا في التنفيذ لأن فعله يدل دلالة واضحة على نيته في المواقعة.

أما الشخص الذي يدخل على امرأة نائمة في غرفتها ويضبط عند ذلك فإن فعله غير واضح إذ قد يكون بقصد السرقة أو المواقعة. لذلك يجب أن تكون الأعمال التنفيذية واضحة الدلالة قطعيا على النية الإجرامية.

وحتى يعتبر عملا تنفيذيا فلا بد أن يتوفر فيه شرطين هما:

  • أولا : أن يهدف العمل مباشرة إلى ارتكاب الجريمة.
  • ثانيا : أن يكون القصد من العمل تنفيذ تلك الجريمة.

موقف فقه القضاء التونسي :

“البدء في التنفيذ هو ارتكاب الأعمال التي يرى الجاني أنها مؤدية مباشرة إلى ارتكاب الجريمة ذاتها ولو لم تكن هذه الأعمال من الأفعال المكونة للجريمة نفسها” (قرار تعقيبي جزائي صادر في 19/2/1975). “فالعمل التحضيري بخلاف العمل التنفيذي غير واضح ولا يسمح باستنتاج النتيجة الإجرامية”(٣)

فالبدء في التنفيذ حسب فقه القضاء إذا له ثلاثة عناصر :¬

  • 1 ـ النية الإجرامية (قصد ارتكاب الجريمة). 2 ـ العلاقة السببية (مؤدية مباشرة). 3 ـ لا يهم أن يكون الفعل ركنا في الجريمة. والبدء في التنفيذ هو مسألة واقعية خاضعة لاجتهاد قضاة الأصل شريطة التعليل المستساغ والمستمد مما له أصل ثابت في الأوراق (ملف القضية). وبناءا على هذا الركن هناك نوعين من الجرائم تستحيل فيهما المحاولة (الشكلية والسلبية).
  • 2 ـ الركنان التشريعيان :(العدول الاضطراري ـ القصد الجنائي).

أولا ـ العدول الاضطراري :

إن عدول الجاني باختياره عن إتمام الجريمة يحول دون العقاب لأنه لا جريمة. والمشرّع يقرر ذلك تشجيعا للتراجع عن إتمام السلوك الإجرامي فهذا العدول ينبئ عن عدم خطورة من شرع في ارتكاب الجريمة مما يستوجب عدم العقاب لكن هذا العدول الاختياري يجب أن يتم قبل إتمام الجريمة. فالعدول الاختياري إذن هو الذي يتم بإرادة الشخص وقبل إتمام الجريمة، بينما العدول الاضطراري فهو الذي يتم بأمر خارج عن إرادة الجاني : وتعتبر من حالات العدول الاضطراري : ـ ضبط الجاني أثناء ارتكاب عملية السرقة. ـ مقاومة المجني عليها للجاني وتمكنها من وقف الجريمة بسبب فراره إثر صراخها. و العدول قبل إتمام الجريمة يحول دون العقاب ما دام اختياريا. أما العدول أثناء التحضير فلا قيمة له لأن هذه المرحلة غير معاقب عليها أصلا. بينما العدول بعد إتمام الجريمة لا قيمة له وليس له أي أثر قانوني فالجريمة تمت مما يستوجب معه التي يمكن أن تكون ظرف¬ وهذا النوع من العدول يسمى التوبة الايجابية ¬العقاب تخفيف ليس إلا.

ترك المسروق قبل¬ فلا عدول إلا في مرحلة البدء في التنفيذ. (مثال السرقة ¬ يعاقب عليه لأن¬ لا عقوبة لأنه لا جريمة لكن إرجاع المسروق بعد أخذه ¬الخروج الجريمة تامة). لكن التوبة الايجابية لها أثر على القاضي عند تقديره للعقاب حيث جاء في أحد القرارات التعقيبية “المبادرة بترجيع الأموال لا تأثير لها على الوصف القانوني وإنما قد يكون ظرف تخفيف إذا رأت المحكمة القضاء بذلك” (تعقيبي جزائي عدد 373 مؤرخ في 10 سبتمبر 1975 نشرية 75 ).

ثانيا ـ القصد الجنائي :

إذا كان القصد الجنائي لازما في أكثر الجرائم التي يعاقب عليها القانون (فهو المبدأ والخطأ غير العمدي ما هو إلا استثناء حسب الفصل 37 م ج ) فهو ألزم في المحاولة.

إذ المقصود من العقاب على المحاولة ليس خطورة الفعل المادي بحد ذاته وإنما النية الإجرامية التي ظهرت بهذا الفعل، فكشفت عن حالة خطرة لدى الجاني تستلزم تدخل القانون. لأن الفعل المادي وهو بداية التنفيذ لا يمكن أن يدلنا على شيء معين، إذ يمكن أن تنتج عنه نتائج متعددة يحددها ويعينها قصد الفاعل ولهذا فإنه لا يمكن الحكم بتوفر المحاولة إلا إذا ثبت قصد الجاني في ارتكاب جريمة معينة.

ـ والقصد المطلوب هو قصد ارتكاب الجريمة التامة. ـ ويترتب عن تطلب القصد في المحاولة :

  • 1 ـ أنه لا محاولة في الجرائم غير العمدية.
  • 2 ـ لا محاولة في الجريمة متعدية القصد (أي التي تجاوزت فيها النتيجة الحاصلة قصد الفاعل).
  • 3 ـ لا محاولة في الجريمة المادية (الجريمة بدون خطأ).

ب ـ عقاب المحاولة :

إن الاتفاق حاصل على عقاب المحاولة لكن ما هي الجرائم المعاقب على محاولة أرتكابها ؟ وما هو العقاب المقرر؟

1 ـ الجرائم المعاقب عنها :

  • ـ تعميم العقاب في الجنايات
  • ـ وتخصيصه في الجنح (بنص خاص).
  • ـ وإهماله في المخالفات

أمثلة لنصوص تعاقب على محاولة أرتكاب جنحة :

(ف 212 م ج ـ تعريض طفل أو عاجز للخطر ـ ف 218 م ج ـ الجرح والضرب والعنف الشديد ـ ف 227 مكرر م ج مواقعة أنثى برضاها سنها دون 16 سنة ـ ف 232 م ج ـ التمعش والإعانة والتحريض والتوسط في الخناء).

فتجريم المحاولة في الجنح يعتمد على مبدأ خطورة الجريمة وأهمية الضرر الناشئ عنها.

2 ـ مساواة عقاب المحاولة بعقاب الجريمة التامة :

ـ بعض التشريعات تقر عقابا أخفا للمحاولة وذلك لن المحاولة لا تمثل اعتداء على حق يحميه القانون وإنما يقتصر على مجرد تهديده بالخطر. ـ بعض التشريعات الأخرى تسوي بالعقاب بين المحاولة والجريمة التامة ومنها تونس وفرنسا.

ويمكن تفسير هذا الاتجاه بأنه اعتداد بالجانب الشخصي للجريمة في تحديد عقابها والقول بأن الإرادة الإجرامية تتوفر في المحاولة على نفس النحو الذي تتوفر فيه في توحيد العقاب في الحالتين.¬الجريمة التامة

هذه التسوية جاءت بصفة مطلقة وتطبق في كل آثار الحكم : فقواعد العود تنطبق سواء كان الفعل الأول أو الثاني جريمة تامة أو محاولة فعندها يعتبر الشخص عائد وتطبق عليه ظروف التشديد.

كما أن العقوبات التكميلية المرتبطة بعقوبة ما تنطبق على المحاولة. لكن في التطبيق القضائي يمكن للقاضي اعتماد مبدأ التفريد العقابي وتطبيق ظروف التخفيف إذا كان المتهم مبتدئا.

II ـ الجريمة غير المثمرة (الخائبة والمستحيلة) :

تكون الجريمة غير مثمرة في صورة اقتراف كل الأعمال التنفيذية ولكن بدون جدوى، وتحصل هذه الوضعية فيما سمي بالجريمة الخائبة والجريمة المستحيلة.

أ ـ الجريمة الخائبة :

هي الجريمة التي لا يتم القصد منها، ولا تتحقق نتيجتها، رغم استغلال الجاني كل ما أعده من الوسائل وما أحاط به من الظروف، ورغم اجتهاده في تحقيق الغرض منها (مثل إطلاق نار على شخص وعدم إصابته أو إصابته ولكنه لم يمت).

فهي تتفق مع الشروع في أن كلا منهما جريمة ناقصة فإحداهما تعطل فيها التنفيذ والأخرى خاب فيها الأثر. لكنهما تختلفان في سبب النقصان: ـ فالشروع جريمة ناقصة لأن سلسلة الأعمال التي كان في الحسبان أن تتمخض عنها الجريمة قد تعطلت. ـ بينما لكن المشرّع¬الجريمة الخائبة ناقصة لأن الجاني لم يتول التنفيذ على الوجه الأتم. لم يفرق بين هذين النوعين بل إن الفصل 59 م ج سوى بينهما وأعد لهما عقابا واحدا. كما أن التعطيل في الشروع وخيبة الأثر في الجريمة الخائبة كانا نتيجة سبب أجنبي عن إرادة الجاني.

ب ـ الجريمة المستحيلة :

هي الجريمة التي لم يكن بوسع الفاعل أو أي شخص آخر مكانه أن يحقق النتيجة الإجرامية فيها بالرغم من قيام الجاني بكل الأفعال التي من شأنها تحقيق هذه ¬النتيجة. فالاستحالة قد يكون مصدرها الوسيلة الإجرامية (بندقية غير صالحة) وتختلف¬ استحالة المحل (قتل ميت). ¬استحالة الوسيلة أو محل الجريمة (موضوعها) الجريمة المستحيلة عن الخائبة في أن : ـ الخائبة غير مثمرة بعد إتمام التنفيذ. ـ المستحيلة غير مثمرة منذ البدء في التنفيذ (لاستحالة الوسيلة أو المحل) هل يمكن عقاب الجريمة المستحيلة ؟

أولا ـ الاتجاه المتطرف في إمكانية عقاب الجريمة المستحيلة :

وينقسم هذا الاتجاه إلى رأيين الأول يقول بعقاب كافة أنواع الاستحالة (الاتجاه الشخصي) واتجاه ثاني يقول بعدم عقاب كافة أنواع الاستحالة (الاتجاه موضوعي).

  • 1 ـ عدم معاقبة الجريمة المستحيلة (النظرية الموضوعية) :

حججه : غياب الضرر الاجتماعي + لا يمكن أن نبدأ بتنفيذ مستحيل فهذا الاتجاه يهتم لا عقاب.¬ لا نتيجة ¬بالفعل دون شخصية فاعله

  • 2 ـ معاقبة الجريمة المستحيلة (ذاتي)

(موقف محكمة التعقيب والمشرع التونسي). حججه : توفر الحالة الخطرة + توفر كافة أركان المحاولة بل إنها أكثر تقدما في المسلك الإجرامي. هذا الاتجاه يهتم بالخطورة الكامنة بالشخص والتي أظهرها فعله المادي في العالم الخارجي.

ثانيا ـ الاتجاه التوفيقي في حالات معاقبة الجريمة المستحيلة :

وهذا الاتجاه يميل إلى التمييز بين مختلف حالات الاستحالة ليحدد ما كان معاقبا منها وما لم يكن كذلك.

ويوجد في ذلك رأيان الأول يميز بين الاستحالة المادية والاستحالة القانونية والثاني يميز بين الاستحالة النسبية والاستحالة المطلقة.

1 ـ الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية :

ـ مطلقة :

بسبب الوسيلة (عدم صلاحيتها لأحداث النتيجة). الموضوع (انعدامه ـ الوفاة قبل لا عقاب لأن الجريمة غير ممكنة الوقوع نهائيا.¬القتل).

ـ نسبية :

بسبب ـ الوسيلة (صالحة لكنها غير كافية ـ كمية سم قليلة) ـ الموضوع (محل الجريمة وجوب¬متوفر لكن الفاعل لم يستطع أن يحقق نتيجة فعله) . مثال السرقة من جيب فارغ. هذه الصورة¬المعاقبة لأن الفاعل لم يستطع تحقيق نتائج فعله لكن غيره بإمكانه ذلك. من الاستحالة تقترب من الجريمة الخائبة إن لم تكن صورة لها.

2 ـ الاستحالة المادية والاستحالة القانونية :

ـ المادية :

تحول دون تحقق الجريمة لظرف مادي عرضي مستقل عن إرادة الفاعل كعدم صلاحية تجب المعاقبة.¬الوسيلة

ـ قانونية :

لا عقاب.¬فقدان ركن من أركان الجريمة كركن الحياة بالنسبة إلى جريمة القتل فالجرائم المستحيلة نوع من أنواع الجرائم الخائبة إذ أن الضرر المقصود لا يتحقق في كلا النوعين لأسباب خارجة عن إرادة الفاعل وحينئذ فهو يجب أن يتعرض للعقاب في كل الصور إذا ما ما أبدى خطورة واضحة وعزما إجراميا ثابتا. ـ المشرّع التونسي : الفصل 214 يعاقب كل من يحاول أن يجهض امرأة غير حامل. ـ محكمة التعقيب : معاقبة من يهدد تبني الاتجاه الذاتي.¬غيره بسلاح بلاستيكي.

الهوامش

1. ^ بقلم: مستخدم:محمود داوود يعقوب

2. ^ (قرار تعقيبي جزائي عدد 5839 مؤرخ في 7 أوت 1968).

3. ^ (قرار تعقيبي جزائي صادر في 29/4/1968).

 

(محاماة نت)

إغلاق