دراسات قانونية

موقع التعرض في اطار مسطرة التحديد الإداري لملك الدولة (بحث قانوني)

موقع التعرض في اطار مسطرة التحديد الاداري لملك الدولة الخاص

عرظاوي محمد
باحث في الشؤون القانونية
اطار قانوني بالوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية
،مصلحة المحافظة العقارية بالداخلة

مقدمة:

خول المشرع المغربي لإدارة الأملاك المخزنية، إمكانية سلوك مجموعة من المساطر والآليات القانونية ،الكفيلة بتحصين ملك الدولة الخاص، هذه الآليات تتوزع بين مسطرتي التحديد الإداري ([[1]])، والتحفيظ العقاري. وسوف لن احاول الخوض في غمار هاته الوسيلة الأخيرة، بالنظر إلى أنها تسري عليها نفس المقتضيات المتعلقة بمسطرة التحفيظ العادية المنصوص عليها في ظهير 12 غشت 1913، في حال ما إذا رغبت إدارة الأملاك المخزنية سلوك مسطرة التحفيظ العقاري، والاستغناء عن مسطرة التحديد الإداري، فما يهمني في هذا المقام هو ما يتعلق بالتحديد الإداري لملك الدولة الخاص، وتحديدا تلك الخصوصية التي تطبع التعرضات الواردة في إطار هذه المسطرة، غير أنه ولضمان حسن التحليل الدقيق لهذا الموضوع، يكون من الأجدر إلقاء نظرة ولو موجزة عن مسطرة التحديد الإداري لملك الدولة الخاص باعتبارها تعد بمثابة المنطلق الأساسي لظهور التعرضات ،حالة ما إذا تم المساس بحقوق الأغيار (الفقرة الاولى)، قبل سبر أغوار هذه الأخيرة ومدى تأثيرها على مسطرة التحديد الإداري (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى: مسطرة التحديد الإداري لملك الدولة الخاص كمنطلق لظهور التعرض عليها:

يقصد بالتحديد الإداري، تلك العملية التي ترمي إلى ضبط حدود العقار، كما تهدف الإدارة من ورائها إلى الوصول بإتباع مسطرة مبسطة جدا للتصفية القانونية لمساحات شاسعة، وذلك بتطهيرها من حقوق الأغيار، وحمايتها من الاغتصاب والترامي عليها ([[2]]) ،هذا من حيث الأهداف المعلن عنها، غير أن الواقع يوحي بوجود نوايا أخرى، سعت من خلالها سلطات الحماية الفرنسية انداك إلى تبني هذه الطريقة، وذلك بغرض الاستيلاء على العقارات بالمملكة، ولا أدل على ذلك من أن مساطر التحديد الإداري، وردت على سبيل الحصر،و فقط بالنسبة لأراضي وعقارات لها من الجودة ومن الخصوبة ما يجعلها محط أطماع السلطات الاستعمارية الفرنسية ،وهي أراضي الجماعات السلالية، وكذلك أراضي الملك الخاص للدولة ، فتقرير مساطر التحديد الإداري هاته هو في الواقع جاء بهدف تفادي وتجنب ما يقرره نظام التحفيظ العقاري، خصوصا على مستوى إلزام طالب التحفيظ بتقديم الحجج والإثباتات المتعلقة بالعقار المزمع تحفيظه،([[3]]url:#_ftn3 ) ، وكذا وضع حد للمنازعات التي قد تثار بهذا الصدد، وهي منازعات وإدعاءات تصاغ في شكل تعرضات، والتي يجب تدعيمها بالحجج المؤيدة للحق المدعى به ،ويتم تقديمها إلى المحافظ على الأملاك العقارية ودون أن يتطلب الأمر أي إجراء مسطري أخر،وذلك من منطلق أن التعرض هو بمثابة وسيلة حمائية لصاحب الحق،غير أنه وإذا كان الأمر كما سبق التطرق إليه يتعلق بالمسطرة العادية للتحفيظ العقاري، والتي لا يلزم فيها المتعرض بأي إجراء مسطري أخر عدا تقديمه للتعرض وتأييده بالحجج، فإن الأمر على خلاف ذلك بالنسبة لبعض الوضعيات الخاصة، ودلك بالنسبة للمتعرض على عمليات التحديد الإداري لملك الدولة الخاص إذ يلزم هدا الاخير إضافة إلى ما سبق بتأييد تعرضه عن طريق تقديمه لمطلب التحفيظ التأكيدي،وهنا نكون امام حالة من حالات التحفيظ الاجباري[[4]]url:#_ftn4 ،والتي تعد استثناء من القاعدة المقررة بموجب الفصل السادس من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري.

وكما هو معلوم فإن عملية التحديد الإداري للملك المخزني تخضع من حيث التأطير القانوني إلى مقتضيات ظهير 3 يناير 1916، إذ تبتدئ هذه المسطرة بتقديم طلب بهذا الشأن من قبل مديرية الأملاك المخزنية وذلك بعد إجراء بحث ميداني، وبمساعدة بعض الجهات المعنية([[5]] )،وعلى إثر هذا المطلب، يتم استصدار مرسوم بالموافقة على إجراء عمليات التحديد، وتعيين تاريخ لإجرائها،و يتم نشره بالجريدة الرسمية مدة شهر قبل تاريخ إجراء عملية التحديد المعلن عنه في المرسوم ([[6]])، ليتم بذلك تشكيل لجنة تعهد إليها مهمة السهر على إجراء عمليات التحديد([[7]])، حيث تختتم أشغالها بتحرير محضر، يوقع عليه من طرف جميع أعضاء اللجنة المكلفة بالتحديد، بعد هذه الإجراءات تقوم اللجنة بإيداع نسخة من محضر عمليات التحديد لدى السلطة المحلية، ويتم نشر إعلان هذا الإيداع بالجريدة الرسمية ([[8]] ) لمدة ثلاثة أشهر تبتدئ من تاريخ نشر هذا الإيداع بالجريدة الرسمية، وهي المدة المحددة لتقديم التعرضات على عملية
التحديد الإداري

الفقرة الثانية: تقديم مطلب للتحفيظ كإجراء إجباري لتأكيد التعرضات الواردة على مسطرة التحديد الإداري لملك الدولة الخاص:

في الواقع تتميز مسطرة التعرض على عملية التحديد الاداري عن نظيرتها بالمسطرة العادية للتعرض المنصوص عليها بظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري في مجموعة من النقاط، فعلى الرغم من وحدة المفهوم والأهداف بين كليهما، فإنهما يختلفان من حيث الإجراءات الواجب توفرها حتى تنهض هذه التعرضات صحيحة، ولتؤدي دورها في ضمان حقوق المتعرض وحمايتها من الضياع([[9]] ).

ففي أحسن الحالات بالنسبة لإدارة الأملاك المخزنية لا تثار تعرضات على مسطرة التحديد التي سبق وأن أجرتها، لكن لما كان مجال تطبيق ظهير 3 يناير 1916 منحصرا في العقارات المشتبه في ملكيتها للدولة، فإنه يكون عاديا جدا إثارة تعرضات على العملية محل الدراسة وهذا ما يشكل وضعية حرجة بالنسبة لإدارة الأملاك المخزنية.

وهكذا فبالإضافة إلى تقديم التعرض مباشرة أثناء عملية التحديد لدى لجنة التحديد، أو إلى السلطة المحلية، التي يودع لديها المحضر الذي أنجزته اللجنة فإن للمتعرضين أجل ثلاثة أشهر تبتدئ من تاريخ نشر الإعلان بإيداع محضر التحديد بالجريدة الرسمية، لتقديم تعرضهم لدى مقر السلطة المحلية المعنية، والإفصاح عن موضوع تعرضهم بواسطة طلب كتابي أو عن طريق تحرير محضر بذلك إذا كان شفويا مع الإدلاء بالوثائق المدعمة لذلك ([[10]] )، غير أن التعرض على التحديد الإداري لا يعتد به إلا إذا تم التعبير عنه في شكل تقديم طلب بتحفيظ للحق الذي يطالب به المتعرض (…)، وذلك داخل أجل ثلاثة أشهر، تبتدئ من تاريخ انصرام الأجل المخصص لتقديم التعرضات ([[11]1 )، وهذه أهم الشكليات الواجب إتباعها لينهض التعرض على التحديد الإداري للأملاك المخزنية صحيحا ،ولينتج آثاره، وذلك تحت طائلة سقوط حق المتعرض، وفي هذا الصدد يمكن أن نتساءل عن وضعية المتعرض على مسطرة التحديد الإداري لملك الدولة الخاص (اولا)، وكدا عن مدى امكانية ورود تعرض اخر على مطلب التحفيظ التاكيدي(ثانيا).

اولا- وضعية المتعرض على عملية التحديد الإداري لملك الدولة الخاص:

إن معرفة من هو المكلف بالإثبات، مسالة ذات أهمية كبرى من الناحية العملية، فكون أحد الخصمين غير مكلف بالإثبات، يعد ميزة له من ناحية مركز الخصوم في الدعوى، لأن ذلك يؤدي إلى كسب الدعوى حالة ما إذا عجز خصمه عن الإثبات، فالخصم لا يكفل إذن بحقه في الإثبات، إلا إذا توفرت لديه وسائله، أي أدلته، فإن لم تتوافر بأن اعتراها نقص، أو غموض، وكثيرا ما تكون كذلك، فإن الإثبات يصبح عبئا ثقيلا، ولذلك غلب في الإشارة إلى تكليف أحد الخصمين بالإثبات القول بأن عليه عبئه أو ثقله([[12]])، فمسألة الإثبات هاته لها ارتباط وثيق بمسألة تحديد مراكز المتقاضين، ولا يخفى على أحد ما لتحديد هذه المراكز من أهمية في ضمان حسن سير الدعوى، تطبيقا للقاعدة الفقهية المعروفة: “من عرف المدعي والمدعى عليه فقد عرف وجه القضاء”، وعليه، وحتى يتمكن القاضي من البت في النزاع المعروض عليه، ويعيد الحق لصاحبه، فإن هذا الأخير مطالب بأن يثبت ما يدعيه، فإن تمكن من ذلك ربح دعواه ،وإذا أخفق في ذلك خسرها([[13]])، ومعلوم أن من ادعى شيئا فإنما يقع عليه عبئ إثبات ما يدعيه، مصداقا للحديث الشريف ،عن ابن العباس رضي الله عنهما، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لو يعطي الناس بدعواهم، لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر([[14]]url:#_ftn14 ).” وهو ما قال ابن عاصم في تحفته:

والمدعي مطالب بالبينة *** وحال العموم فيه بينة([[15]]).
وباعتبار أن التعرض على مطلب التحفيظ في إطار ظهير التحفيظ العقاري ينشئ دعوى تنشر أمام القضاء، بعد إحالة الملف من قبل المحافظ على الملكية العقارية، فإن إعمال قواعد الإثبات السالفة الذكر أمر واجب، وهو ما تناوله ظ.ت.ع، إذ أتى في الفقرة الثانية من الفصل 37 ، والفقرة الأولى من الفصل 32 على ذكر قاعدتين متعلقتين بالإثبات، تحدد الأولى منهما الطرف المتحمل لعبئه، وتفرض الثانية زمنا محددا لتقديم وسائله([[16]])، وهكذا تم تقرير وضع عبئ إثبات البينة على كاهل المتعرض الذي يعتبر بمثابة مدع، ويجب عليه بالتالي إثبات صحة إدعائه حتى ولو كان هو الذي يحوز العقار([[17])، وعليه ففي حالة التعرض فإن طالب التحفيظ يأخذ صفة مدعي عليه معفى من تقديم الحجج والأدلة ما لم يقدم المتعرض كمدعي حججا قوية([[18]] ) وهذا ما كرسته الاجتهادات القضائية، فجاء في حكم لابتدائية الناظور ما يلي: ” … وحيث أن محكمة التحفيظ لا تنتقل إلى مناقشة وتقييم حجج طالب التحفيظ إلا بعد أن تضع أمامها حجج المتعرض باعتباره المكلف أولا بالإثبات”([[19]])،

وهو نفس التوجه الذي سار فيه المجلس الأعلى في إحدى قراراته جاء فيها ما يلي:”… لكن ردا على الوسيلة أعلاه فإن المحكمة وهي تبث في قضايا التحفيظ العقاري غير ملزمة بمناقشة حجج طالب التحفيظ إلا بعد إدلاء المتعرض بحجج قوية…”([[20]]).

وإذا كان ما سبق ذكره يتعلق بالإجراءات الواجب إتباعها من قبل المتعرض في إطار قواعد التحفيظ العقاري المضمنة بظهير 12 غشت 1913، والتي لا تلزم المتعرض بأي إجراء مسطري آخر عدا تقديم تعرضه لدى المحافظة على الملكية العقارية، معززا بالحجج المؤيدة لتعرضه ([[21]])، فإنه في إطار التعرض على مسطرة التحديد الإداري لملك الدولة الخاص يلزم المتعرض زيادة على تقديم الحجج والمستندات المؤيدة لتعرضه بتقديم مطلب للتحفيظ كتأكيد لتعرضه ([[22]] )، وهنا يطرح التساؤل عن وضعية المتعرض في مسطرة التحديد الإداري لملك الدولة الخاص ،وهل هي نفس وضعية المتعرض في إطار قواعد التحفيظ العقاري، وبالخصوص على مستوى نظام الإثبات؟
في إطار مسطرة التحديد الإداري لملك الدولة الخاص وعلى الرغم من إجبار المتعرض على عمليات التحديد بتقديم مطلب للتحفيظ تأكيدي لتعرضه هذا، فإن ذلك لا ينزع عنه صفة المتعرض، والذي يلقى على عاتقه عبئ الإثبات ابتداء، وهذا يعد بمثابة خروج عن القاعدة التي تقضي بأن طالب التحفيظ معفى من الإثبات الي ان يدلي المتعرض بحجج قوية ،وكأننا بالمشرع المغربي يريد اعتبار مسطرة التحديد الإداري شأنها في ذلك شأن مسطرة التحفيظ العقاري، وإدارة الأملاك المخزنية تعد في إطار التحديد الإداري كما لو أنها طالبة للتحفيظ، وهنا اتفق مع بعض الباحثين([[23]] ) بوجود نوايا خفية استيطانية لواضعي ظهير 3 يناير 1916، الغرض منها تحقيق أهداف الاستعمار العقاري، في ظل استفحال ظاهرة الأمية في أوساط المجتمع المغربي آنذاك، وكذا أمام وجود ضعف على مستوى الموارد المادية للساكنة المغربية التي كانت تعيش تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، والتي تجعلهم لا يستطيعون تقديم طلبات التحفيظ التأكيدية لتعرضاتهم على مسطرة التحديد الإداري، بالنظر إلى ما يتوجب عليهم أداؤه من مصاريف ورسوم لتقديم هذه الطلبات،

كل هذا جعل من خلق ازدواجية على مستوى وضعية من يدعي حقا على العقار المحدد إداريا، بين كونه متعرضا من زاوية ظهير 3 يناير 1916، وكونه طالبا للتحفيظ من زاوية ظهير 12 غشت 1913، مع الإبقاء على صفته كمتعرض، – جعلت من ذلك- وسيلة للاستحواذ والاستيلاء على الأملاك العقارية الخاصة للفلاحين المغاربة، إذ يلزمون بالإدلاء بحججهم أولا، ثم بعد ذلك تكون إدارة الأملاك المخزنية فكرة على ذلك، ومن تم إعداد حججها بما لها من متسع من الوقت، وهي قاعدة شاذة عن نظام التحفيظ العقاري ، مما نخلص معه إلى أن تقرير الإجبارية في إجراء التحفيظ بالنسبة للمتعرض على التحديد الإداري لملك الدولة الخاص كان وسيلة أو أداة للاستيلاء على أجود الأراضي المغربية وليس بغرض حماية الأملاك الخاصة للدولة كما أعلنت على ذلك السلطات الفرنسية.

ثانيا- مدى امكانية ورود تعرض ضدا على مطلب التحفيظ التاكيدي:

لوحظ وجود اختلاف كبير بين السادة المحافظين على الملكية العقارية والرهون حول مدى امكانية قبول التعرضات ضد مطالب التحفيظ المودعة تاكيدا للتعرضات المقدمة ضد مساطر التحديد الاداري لملك الدولة الخاص،ويمكن تصور دلك في الحالة التي يتعرض فيها أحد الأشخاص على عملية التحديد الإداري، وكما سبق وأن أشرت إلى ذلك فحتى يغدو هذا التعرض صحيحا منتجا لأثاره القانونية، فإنه لابد من أن يعقبه تقديم مطلب للتحفيظ تأكيدي لهذا التعرض، وعلى هذا المستوى فإنه يمكن لشخص ثان أن يقدم تعرضه ضدا على هذا المطلب التأكيدي، فنكون إذن أمام تعرضين،

لا تعرض واحد: تعرض أول على عملية التحديد الإداري لملك الدولة الخاص معزز بمطلب للتحفيظ التأكيدي، وتعرض ثان مقدم ضدا على هذا الأخير (المطلب التأكيدي) بعد انتهاء أجل تقديم طلبات التحفيظ التأكيدية، والذي يكون (المطلب التأكيدي) خاضعا من حيث التأطير القانوني لقواعد التحفيظ العقاري، وبالتالي وبمناسبة التعرض على مطلب التحفيظ التأكيدي، يمكن القول بأن هذا التعرض هو في حقيقة الأمر تعرض على عملية التحديد الإداري بشكل غير مباشر، كل ما في الأمر أن هذا التعرض ينحصر نطاقه فيما يدعيه الشخص المقدم لمطلب التحفيظ التأكيدي، علما بأن المحافظ على الملكية العقارية لما يقوم بإحالة النزاع على القضاء، فإن هذا الأخير يعد أو إجراء يقوم به هو الفصل بين إدارة الأملاك المخزنية والمتعرض الأول على عملية التحديد الإداري،

فإذا قضى لصالح إدارة الأملاك المخزنية فإن التعرض الثاني والمنصب على مطلب التحفيظ التأكيدي يسقط بالتبعية لزوال علة وجوده، أما إذا قضي ضدا على إدارة الأملاك ولصالح المتعرض المقدم لمطلب التحفيظ التأكيدي، آنذاك تنتقل المحكمة بعد ذلك لتفصل بين هذا الأخير والذي يكون في مقام طالب التحفيظ في هذه الحالة، وبين المتعرض على هذا المطلب، وتطبيق حينئذ القواعد المتبعة في إطار ظهير التحفيظ العقاري المتعلقة بالتعرضات، وفي اعتقادي المتواضع فإن هذا التحليل هو الأقرب إلى الصواب، وهو ما ذهبت إليه إحدى دوريات المحافظ العام للملكية العقارية الصادرة مؤخرا[[24]].

خاتمة

من خلال ما تقدم ذكره يتضح بأن واضعي ظهير و الظهائر اللاحقة عليه، وبالخصوص على مستوى إجبار المتعرض بتقديم مطلب للتحفيظ تأكيدا لتعرضه، لم تكن تحدوهم الغاية الأساسية التي من أجلها تم تقرير التعرض كوسيلة حمائية لصاحب الحق، والذي تضررت حقوقه جراء عمليات التحديد الإداري، بل إنه وانطلاقا من الشكليات المعقدة لمسطرة التعرض في هذا الإطار، يتضح مدى تفنن واضعي الظهير في خلق عراقيل لمن أراد التعرض على مسطرة التحديد الإداري ، وبالتالي السعي تدريجيا نحو التغلغل على مستوى المنظومة العقارية بدعوى التنظيم القانوني، والحصول بذلك على أجود الأراضي بالمملكة وأخصبها بطرق ملتوية، مما يجعل من إعادة النظر في صياغة الظهائر المنظمة لأراضي الملك الخاص للدولة بما يكفل جعلها في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية مطلبا أساسيا.
وفي هذا الصدد فإنه يمكن طرح بعض والاقتراحات وعلى الخصوص:
– إعادة النظر في الجهة المكلفة بتلقي التعرضات وإسناد هذه المهمة إلى جهة محايدة إدارية كانت أم قضائية.
– تطبيق قواعد الفقه الإسلامي على مستوى الإثبات.
– التنصيص على مجانية مطلب التحفيظ التأكيدي للتعرض على التحديد الإداري
– تقرير إمكانية اللجوء إلى الرخصة المخولة في إطار الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري حتى بالنسبة للتعرضات على مسطرة التحديد الإداري.
فكل هذه الحلول وغيرها من الاقتراحات، قد تساهم بشكل أو بآخر في ضمان حقوق المتعرضين على مسطرة التحديد الإداري لاملاك الدولة ، وبالتالي جعل إجبارية التحفيظ في هذا الإطار في خدمة المتعرض على عمليات التحديد الإداري، وسبيلا لتفادي ما قد ينشأ عن الاستمرار في هذه العمليات من سلب وضياع لحقوقه بدون موجب قانوني.

 

(محاماه نت)

إغلاق