دراسات قانونية

الحداثة وأثرها على الحقوق الزوجية للمرأة في التشريع الإسلامي (بحث قانوني)

أثر الحداثة على الحقوق الزوجية والعائلية للمرأة في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية -دراسة مقارنة بين التشريعات العربية-

د. طارق عفيفي صادق أحمد، محاضر بجامعة حلوان، مصر

Abstract The family is a universal cosmic phenomenon, experienced by every human society regardless of its scientific, religious or cultural structure, because it is related to human nature. As the woman has a great role in the formation of the family and its continuity, and maintain its cohesion, they are: wife, daughter, mother, grandmother, sister, aunt, daughter of brother, daughter of sister, cousin and daughter of aunt, etc. Within the family and the degree of its proximity to the person, and make its provisions related – what we call now – the idea of ​​public order and ethics in order to protect their legitimate rights and to save them from the risks of life and living, and dignity.

In view of the importance of the role of women in preserving the Muslim family and its impact on their identity, women’s rulings have been subject to debate and debate by those who raise slogans of modernity and emancipation. The researcher is interested in studying the impact of this modernity, Organized by Sharia and law.

The researcher divides this study into two topics. The first deals with the impact of technological developments, especially in the information field (information networks and the Internet), on the legal and legal provisions of women’s personal status by applying the right of women to work without the husband’s permission. The second topic is devoted to studying the impact of technological developments on women’s right to maintenance and custody, and other marital rights. The researcher concluded his study with a conclusion that included many conclusions and recommendations. Keywords: Women – personal status – right to work – right to maintenance – custody.

ملخص

الأسرة- أو المؤسسة العائلية النووية- ظاهرة كونية عالمية، أختبرها كل مجتمع انساني مهما كان تركيبه العلمي أو الديني أو الثقافي، لكونها أمر يرتبط بالفطرة الإنسانية. ولما كان للمرأة دور كبير في نشأة الأسرة وفي استمرارها، والمحافظة على تماسكها، فهي: الزوجة، والأبنة، والأم والجدة والأخت، والعمة، وبنت الأخ وبنت الأخت، وأبنة العم وبنت الخالة.. الخ؛ لذلك فقد اهتم الإسلام بها ونظم أحوالها بحسب مركزها القانوني داخل الأسرة ودرجة قرابتها للشخص، وجعل أحكامها متعلقة- بما نسميه حاليا- بفكرة النظام العام والآداب وذلك لحماية حقوقها الشرعية ولحفظها من المخاطر الحياتية والمعيشية، وصون كرامتها.

ونظرا لأهمية دور المرأة في الحفاظ على الأسرة المسلمة، وتأثيره على هويتها، فقد كانت أحكام المرأة محلا للجدال والنقاش والطعن فيها من قبل من يرفعون شعارات الحداثة والتحرر؛ لذا فقد اهتم الباحث بدراسة أثر هذه الحداثة- وخاصة التطورات التكنولوجية- على حقوق المرأة وأحوالها الشخصية، التي نظمها الشرع والقانون.

ويقسم الباحث هذه الدراسة إلى مبحثين، يتناول في الأول أثر التطورات التكنولوجية- وخاصة في المجال المعلوماتي(شبكات المعلومات والانترنت)- على الأحكام الشرعية والقانونية لأحوال المرأة الشخصية بالتطبيق على حق المرأة في العمل، بدون إذن الزوج. أما المبحث الثاني فيخصصه الباحث لدراسة أثر التطورات التكنولوجيةعلى حق المرأة في النفقة والحضانة، وحقوقها الزوجية الأخرى.

وأنهى الباحث دراسته بخاتمة تضمنت العديد من النتائج والتوصيات.

الكلمات المفتاحية: المرأة- الأحوال الشخصية- تكنولوجيا- الحق في العمل- الحق في النفقة- الحضانة.

مقدمة

الزواج ليس مجرد عقدا عاديا، يعطي للزوج حل الاستمتاع بزوجته، بل هو عقدا ونظاما له قدسيته وخصوصيته([1])، التي جعلت أحكامه ذات تميز وخصوصية. ويترتب على الزواج الصحيح حقوقاً مشتركة بين الزوجين([2])، وحقوقاً خاصة لكل منهما قبل الآخر، فللزوجة حقوق على زوجها، وله عليها عدد من الحقوق التي تلزم بأدائها؛ إذ رسم الشارع الحكيم وقرر- وتبعه في ذلك الأنظمة الوضعية محل الدراسة- عدد من الالتزامات التي ألقاها على عاتق كل من الزوجين، والتي تمثل من ناحية أخرى حقا لكل منهما قبل الآخر، توثيقا للعلاقة وأواصر المحبة والألفة بينهما، ودرءا لأسباب الخلاف والشقاق المحتملة فيما بينهما؛ الأمر الذي يكفل استقامة أمورهما، وإحاطة الرابطة الزوجية بسياج محكم، يكفل لها الاستقرار والثبات، ويعصمها من التفكك([3]).

وهذا لعناية الشارع الإسلامي وإدراكه لدور الأسرة في تنشئة الفرد اجتماعياً ودينيا، وأنها المؤسسة الأولى التي يكتسب منها الكثير من معارفه ومهاراته وميوله وعواطفه واتجاهاته في الحياة، ويجد فيها أمنه وسكنه.([4])

والجدير بالذكر أنه مع تطور دور الأسرة في العصر الحديث، زاد دور المرأة فيها- وفي المجتمع بالتبعية-أهمية، وزادت الحاجة إلى إبراز هذا الدور ودراسة مدى تأثر هذا الدور وأحكامه القانونية والشرعية بالتطورات التكنولوجية، وخاصة تلك الحاصلة في مجال نظم المعلومات والاتصالات؛ وهذا في ضوء ترحب الإسلام ترحيبا شديداً بالحقائق العلمية اليقينية، ودعوته المسلمين خاصة، والبشرية عامة، إلى طلب العلم والتعلم لتحقيق رفاهية الإنسان([5]).

وسوف يعتمد الباحث في هذه الدراسة على المنهج التحليلي والمنهج الوصفي لبيان مدى تأثر الأحكام القانونية المنظمة للمركز القانوني للمرأة- بوصفها فرد في الأسرة- بالحداثة والثورة التكنولوجية التي يشهدها المجتمع المعاصر.

خطة الدراسة

فرضت مقتضيات البحث تقسيم هذه الدراسة على النحو التالي:

المبحث التمهيدي: التعريف بحقوق المرأة الزوجية وماهية الحق الرقمي

المبحث الأول:مدى تأثر حقوق الإنسان للمرأة بالتطورات التكنولوجية

المبحث الثاني: أثر التطورات التكنولوجية على حق المرأة في النفقة والحضانة.

المبحث التمهيدي: التعريف بحقوق المرأة الزوجية وماهية الحق الرقمي

يتناول الباحث في هذا المبحث أثر الحداثة والتطورات التكنولوجية وخاصة تلك الحاصلة في مجال نظم المعلومات والاتصالاتعلى فكرة الحق، وظهور ما يسمىبالحق الرقمي للمرأة (المطلب الأول)، كما يستعرض في عجالة ماهية حقوق المرأة الزوجية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: أثر الحداثة على فكرة الحق (الحق الرقمي للمرأة)

يتناول الباحث في هذا المطلب التعريف بالحقوق الرقمية من خلال بيان تعريف الحق في القانون واللغة (أولا)، والتعريف بحقوق الإنسان (ثانيا)، وتعرف الحق الرقمي وخصائصه (ثالثا).

أولاً: تعريف الحق في القانون واللغة:

أ: الحق لغةً:

للفظ ” الحق” معاني عدة منها: أن الحق اسم من أسماء الله تعالى،والحق بمعني القرآن؛ وقد يراد به العدل( ضدّ الباطل)، ويقال الحق ويقصد به النصيب الواحد للفرد أو الجماعة؛ والحق: هو الواجب والأمر المؤكّد الثبوت والوجود؛ وحقَّ الأَمرُ، حقاً وحقوقًا: صح وثبت وصدق؛ وتحقق عنده الخبر أي صح وثبت؛ ويقال: ماله في حق ولا حقاق: خصومة؛ وقد يرد الحق بمعني اليقين؛ كما قد يذكر الحق ويقصد به الموت.([6])

ب: مفهوم الحق اصطلاحا:

اختلفت الآراء وتعددت الاتجاهات في تعريف الحق، لكون من أكثر الأفكار التي تعرضت للجدل والاختلاف حولها؛ لذلك فسوف تقتصر دراستنا حول الإشارة إلى التعريفات الراجحة لهذا المفهوم؛ فالحق في الفقه الإسلامي هو ” ما يثبت بالشرع لله تعالي أو للإنسان علي الغير علي وجه اللزوم”.([7])

أما في القانون فالحق هو ” استئثار بقيمة معينة يمنحه القانون لشخص ويحميه”([8]) وقد حاول الفقه الراجح المزج بين التعريف الفقهي للحق ومفهومه القانوني، فعرفه بأنه ” استئثار بقيمة معينة ثابتة بالشرع أو القانون لله تعالي أو للشخص أو لهما معا علي الغير مع حمايته عن طريق التسلط أو الاقتضاء”([9])؛ ويتميز هذا التعريف بأنه ينطبق علي حقوق المرأة سواء التي يمنحها القانون أو الشرع والتي يمكن اقتضاؤها جبرا في حالة الإخلال بها؛ إلا أنه يخرج منها الحقوق التي نصت عليها الشريعة ولكنها غير ملزمة بحيث لا يمكن إجبار الزوجأو الوالدين علي الوفاء بها، لأنها لا تقترن بجزاء قانوني، وإن كانت تعرض من ينتهكها لعذاب ديني في الآخرة (كالختان وحسن اختيار الزوج للآخر).([10])

ثانيا: التعريف بحقوق الإنسان

حقوق الإنسان هي: ” مجموعة الحقوق التي يتمتع بها الإنسان بوصفه إنسانا”.([11]) وعرفها آخر بأنها: ” حقوق مشتركة بين الناس لا يستأثر بها أحد علي سبيل الاستئثار والإنفراد وبذلك فهي لا تتفق مع المعني الاصطلاحي الدقيق للحقوق إلا أنها في نفس الوقت تعطي للأفراد سلطات معينة يصبغ عليها القانون حمايته من أي اعتداء يقع عليها ولذلك أطلق عليها كثير من الفقهاء اسم الحقوق”.([12])

ويعرف الباحث حقوق الإنسان بأنها ” المكنات أو السلطات التي يستأثر بها، الشخص بمقتضي عمره أو ظروفه الخاصة، أو بمقتضي صفته الآدمية وباعتباره عضوا في جماعة بشرية – بالمشاركة مع غيره من أفراد المجتمع- بناء علي نص في القانون أو حكم الشرع، ويحق له أو لمن ينوب عنه اقتضائها بالقوة “. وتتميز هذه الحقوق بأنها حقوقطبيعية لا تعطى ولا تمنح ولا توهب من أحد؛ كما أن هذه الحقوق تتكامل معا باعتبارها قيم أخلاقية عالمية تقابلها وتـشتق منها، واجبات على الأفراد وعلى سلطات الدولة، وعلى البشرية جمعاء، باعتبارها حقوق مطلقة كما أنها حقوق تامة يعترف بها القانون ويحميها عن طريق اللجوء للقضاء.

ثالثا: تعريف الحق الرقمي:

ربما ينصرف الذهن إلى أن الحق الرقمي هو قرين حق المؤلف أو ما يثبت للشخص علي مصنف رقمي. كما هو الشائع في الفهم إلا أن المقصود في نطاق البحث هي حقوق الإنسان الرقمية والتي يعرفها الباحث بأنها: ” حقوق يقررها القانون أو الشرع، للإنسان أيا كان نوعه أو عمره أو أصله؛ تكفل له الاستفادة والتمتع بثمار التقنية الحديثة في المجال الرقمي (المعلوماتي)، علي نحو عادل ومتكافئ مع غيره ودون أن يخل ذلك بكرامته الإنسانية أو يمس حريته، خاصة عند استخدامه للنظم المعلوماتية المفتوحة وشبكات الاتصالالرقمية“.

ومن خلال التعريف السابق يتضح الآتي:

أولا: أن من أهم خصائص الحق الرقمي أنه يمثل امتدادا لحقوق الإنسان التقليدية وتطبيقا لها في المجال الالكتروني ولا محل لإثارة الحديث عنها إلا في إطار مجتمع معلومات وطني أو في حالة قدرة الفرد علي الاتصال بشبكات المعلومات العالمية؛ فعجز الفرد أيا كان عمره أو جنسه أو ظروفه الاقتصادية عن الوصول إلى شبكات المعلومات وغياب الخدمات الحكومية والخاصة ذات الطبيعة الالكترونية، ينفي إمكانية مناقشة أو تصور هذا النوع من الحقوق بالنسبة للفرد.

ثانيا: أن هذه الحقوق (الرقمية) تتصف بذات الخصائص التي تميز حقوق الإنسان التقليدية التي يجب أن يتمتع بها في الواقع، فهى حق لجميع البشر لا يجوز التمييز بينهم بشأنها، إلا في نطاق الحقوق السياسية والتي ترتبط بفكرة المواطنة في مفهومها الضيق (الجنسية) لارتباطها بفكرة الجنسية والسيادة الوطنية.([13])

المطلب الثاني: التعريف بحقوق المرأة الزوجية

المستقر عليه شرعاً أن قوامة الرجل على المرأة أساسها تكريم وتشريف لها، إذ أنها (أي القوامة) تكليف للزوج، ولا ينتج عنها إلغاء الشخصية القانونية للمرأة أو الانتقاص منها، ولا يجوز أن تفهم على أنها وسيلة للتسلط عليها.([14]) فالقوامة- سواء في الاصطلاح اللغوي أو الشرعي أو القانوني([15])- هي ولاية يفوض بموجبها الزوج تدبير شئون زوجته والقيام بما يصلحها، ويسوس أمرها. وقد بين ذلك الشارع الحكيم في قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾.([16]) بل أن الله (جل جلاله) قد أورد قاعدة قرآنية مضمونها أن المرأة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، باستثناء الأمور المتصلة بالقوامة، والأحكام المتعلقة بالطبيعة الجنسية، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ﴾.([17])

وقد أكد النبي الكريم (ص) في خطبة الوداع على واجب الزوج بالإحسان إلى زوجته، وحسن معاملته لها بقوله: ” ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوانٍ عندكم”.([18])

ومن أبرز الحقوق التي تتمتع بها المرأة- بوصفها زوجة- في مواجهة زوجها، ما يلي:([19]) حقها في الصداق (أي المهر)، وحقها في النفقة عليها، وحقها في الاحتفاظ باسمها العائلي، وتوفير السكن الملائم لها، وفي السماح لها بزيارة أبويها ومحارمها واستزارتهم بالمعروف، وفي عدم التعرض لأموالها الخاصة، وعدم الإضرار بها مادياً أو معنوياً، وحقها في العدل بينها وبين بقية الزوجات إن كان للزوج أكثر من زوجة.([20])

وحيث إن الحديث عن المهر وأحكامه، يتصل بدراسة مقدمات الزواج وشروط صحة عقد الزواج، كماأنه سيلي الحديث تفصيلا عن نفقة الزوجية وما يتعلق بها من أحكام، فسوف يكتفي الباحث في هذا المطلب بالإشارة إلى حقوق المرأة الأخرى، على النحو الاتي:

1- السماح لها بزيارة أبويها ومحارمها واستزارتهم بالمعروف.

يجب على الزوج ألا يتعسف في استعمال حقه في طاعة الزوجة له، والتزامها بالسكنى والإقامة معه في منزله، ويحرمها من حقها في زيارة أبويها ومحارمها من أسرتها كالأعمام والأشقاء، واستزارتهم بالمعروف، خاصة إذا كان أحدهم في حاجة إلى رعايتها.([21])

2- عدم التعرض لأموالها الخاصة:

سبق أن ذكرنا أنه لا يترتب على الزواج زوال الشخصية القانونية للزوجة أو انصهارها في الشخصية القانونية للزوج، ومن أهم النتائج المترتبة على ذلك: استقلال الذمة المالية للزوجة عن زوجها، فلا يحق له التعرض لأموالها الخاصة التي كسبتها بالميراث أو العمل، والاستفادة منها- بأي شكل كان- إلا بإذنها وموافقتها- الصريحة أو الضمنية- ورضاها الحر. كما يكون للزوجة حرية التصرف في هذه الأموال، طالما كانت بالغة وغير محجور عليها لسفه أو عته؛ وهذا ما أكدت عليه الأنظمة الوضعية محل الدراسة،([22]) وإن كانت المادة (37) من قانون الأسرة الجزائري، قد أعطت للزوجين حرية التنظيم المسبق للأموال التي يحتمل أن يتشاركان في ملكيتها بعد الزواج؛ إذ تضمنت هذه المادة الآتي: ” لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر. غير أنه يجوز للزوجين أن يتفقا في عقد الزواج أو في عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق، حول الأموال المشتركة بينهما، التي يكتسبانها خلال الحياة الزوجية وتحديد النسب التي تؤول إلى كل واحد منها”.

أما الفقرة الثانية من المـادة (62) من قانون الأحوال الشخصية الإماراتي، فقد أعطت لكل من الزوجين الرجوع على الآخر- عند الطلاق أو الوفاة- بما شارك به (أي نصيبه) في تنمية ماله أو تجارته حال الزوجية، أو ساهم به في بناء مسكن الزوجية أو أي بناء آخر.. الخ من أمثلة الشراكة المالية التي قد تنعقد بين الأزواج.

3- حق المرأة في الاحتفاظ باسمها العائلي:وهذا لإحتفاظها بشخصيتها القانونية كاملة غير منقوصة بعد زواجها.

4-عدم الإضرار بها مادياً أو معنوياً:([23])

سبق أن أشار الباحث إلى أن المعاشرة بالمعروف، وتبادل الاحترام والمودة بين الزوجين، هي قوام الأسرة المسلمة، ومن أسباب تحقيق الخير والسعادة لأفرادها؛ لذلك فقد حرصت كتب الفقه ونصوص القانون الوضعى، على جعل المعاشرة بالمعروف، حقاً مشتركاً لكلا الزوجين- على النحو السابق بيانه. ومن مظاهر حق المرأة (الزوجة) في المعاشرة بالمعروف: التزام الرجل برعاية زوجته المريضة، وعدم تخوين الزوجة وطلب عثراتها، ومشاركتها في العبادات، واسترضائها ولو بالكذب،([24]) ومراعاة مشاعرها وخاصة في حال الحيض،([25]) والاستماع إليها، والترفيه عنها، والثناء عليها عند الإحسان، وحسن معاملتها حال الشقاق والنشوز والإيلاء.([26])

وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد أباحت تأديب الزوجة في ظروف وحالات خاصة ضيقة حددتها الشريعة، درءا لنشوز الزوجة، وحماية لكيان الأسرة، متى رأى الزوج أن في ذلك إصلاحا لشأن زوجته. فليس المقصود من التأديب الإيذاء الحسي والإيلام البدني، أو أن يسقط حق الزوجة في المعاملة الحسنة والمعاشرة بالمعروف. فهو إجراء وقائي قد يكون بسواك أو بمنديل أو بطرف الرداء وما إلى ذلك بعيداً عن الوجه والمواضع المحسنة والمخوفة كالبطن في المرأة حفظ الكرامة الإنسان؛ إعمالا لقول النبي الكريم: {أطعموهنَّ مما تأكلون، واكسوهنَّ مما تكتسون، ولا تضربوهن، ولا تُقَبِّحُوهُنَّ}.([27]) وقوله صل الله عليه وسلم: {اتقوا الله في النساء فإنَّ هن عندكم عوان لا يملكون لأنفسهن شيئا لهن عليكم ولكم عليهن حقاً، ألا يوطئن فرشكم أحداً غيركم ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح}.([28]) وقوله (ص): {لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم }.([29]) كما روي عن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه قال: قلت: يارسول اللّه، ما حقُّ زوجة أحدنا عليه؟ قال: {أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت” أو “اكسبت” “ولا تضرب الوجه ولا تقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت}.([30])

لذا فإن استعمالالزوج لحقه في التأديبمقيدبشرطسلامة المرأة،فإن تقيد به لا تترتب عليه أية مسؤولية جنائية أو مدنية مادام يستعمل حقه في حدوده المشروعة،على أساس أن استعمال الحق في حدوده الشرعية عمل مباح. فإن اعتدى الزوج عليصحة الزوجة الجسدية أو النفسية، فإنه يؤثم شرعاً،([31]) ويكون للزوجةأن تطلب الطلاق للضرر- أيا كانت الوسيلةالمتبعةً منه في ذلك([32])- والتعويض- إن كان له مقتضى. كما يمكن أن يسأل الزوج جزائيا عند تجاوزه لسلطة التأديب.

وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن: ” حق التأديب الشرعي المعبر عنه بالضرب في الآية الكريمة ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً﴾ ولا يلجأ إليه إلا بعد سلوك سبيل الموعظة الحسنة- والهجرة في المضاجع باعتباره الوسيلة الثالثة والأخيرة للإصلاح، والرأي فيه أن يقتصر مجاله حال انحراف البيئة وغلبة الأخلاق الفاسدة، ولا يباح إلا إذا رأى الرجل أن رجوع المرأة عن نشوزها يتوقف عليه، فهو منوط بالضرورة الأشد وأشبه بالحلال المكروه، وتقديره بهذه المثابة متروك لقاضي الموضوع، وإذا انتهى الحكم أن اعتداء الطاعن على المطعون عليها بالطريق العام وانفراط عقدها وتلويث ملابسها وتجمهر المارة حولها فيه تجاوز لحق التأديب الشرعي بمراعاة البيئة التي ينتمي إليها الخصمان المعتديان فإنه لا سلطان عليه في ذلك طالما كان استخلاصه سائغاً”.([33])

5- العدل بينها وبين بقية الزوجات إن كان للزوج أكثر من زوجة.([34])

إذا كان الشرع قد أجاز للرجل أن يكون له أكثر من زوجة، فإنه قد جعل لزوجاته حقوقا عليه من ضمنها حسن المعاشرة وعدم الإساءة إليهن، ويدخل في ذلك العدل بين كل زوجة وبين بقية الزوجات، دون أن يميز بينهن بغير حق أو سبب شرعي.

6- توفير السكن الملائم لها:

يلتزم الزوج بأن يهيء لزوجته في محل إقامته مسكنا ملائما، تأمن فيه الزوجة على نفسها ومالها، يتناسب وحالتيهما، أي مما يليق مثله من مثله، وفقا للعرف السائد. وليس له (أي الزوج) أن يسكن معها (أي زوجته) ضرة لها في دار واحدة بغير رضاها، أو أن يسكن معها أحد من أقاربه- إذا ثبت إيذاؤهم لها- سوى ولده الصغير غير المميز. وإذا كان لكل زوجة من زوجاته مسكناً مستقلاً، فإنه يجب على الزوج التسوية بينهن في هذه المساكن، إعمالا لمبدأ العدالة بين الزوجات السابق الإشارة إليه.([35])

وفي المقابل تلتزم المرأة بالانتقال للعيش مع زوجها في المنزل الذي أعده للزوجية، وتنتقل منه بانتقاله، إلا إذا اشترطت في العقد خلاف ذلك، أو قصد من الانتقال الإضرار بها. كما لا يحق لها أن تسكن معها في هذا المنزل أولادها من غيره الا اذا لم يكن لهم حاضن غيرها، أو يتضررون من مفارقتها، أو رضي الزوج بذلك صراحة أو ضمنا، ويحق له العدول متى لحقه ضرر من ذلك.([36])

وبالإضافة للحقوق السابقة توجد حقوق أخري مثلعدم منعالمرأة من إكمال تعليمها.([37])

وفي مقابل الحقوق السابقة أوجب الشارع الحكيم- والأنظمة الوضعية في الوطن العربي- علي المرأة عدد من الواجبات، والتي تمثل من ناحية أخرى حقوق الزوج على زوجته والتي تتمثل أبرزها في: حقه في طاعته، والانتقال معه إلى منزل الزوجية،([38]) والعناية به، وصون عرضه وماله، وتنظيم شؤون بيته، ورعاية أولاده منها وإرضاعهم- إلا إذا كان هناك مانع شرعي- وعدم الخروج من منزل الزوجية إلا بأذنه.([39]) وقد اعطت بعض التشريعات الوضعية للزوج أن يجبر زوجته على السفر معه؛ وهذا ما لم تكن قد اشترط في العقد غير ذلك- أي حريتها في تقرير السفر من عدمه- أو وجد القاضي مانعاً من السفر.([40])

المبحث الأول: مدى تأثر حقوق الإنسان للمرأة بالتطورات التكنولوجية

أثرت ظاهرة العولمة والثورة التكنولوجية المصاحبة لها في الفكر القانوني، بصورة لا يمكن إنكارها أو جحدها، سواء بصورة إيجابية أو سلبية، خاصة وأن هذه الظاهرة قد خلقت مجتمعا موازيا للمجتمع التقليدي يطلق عليه في الاصطلاح تسمية ” مجتمع المعلومات “، الذيأصبح واقع لا يمكن تجاهله، وأصبحت لشبكات المعلومات والانترنت بوجه عام مكانا يستطيع الناس الالتقاء والتواصل فيه، ووسيلة يمكن من خلالها تقديم الخدمات العامة والخاصة، وبالتالي فإنها تحقق شبه تكامل للنشاط الإنساني والمجتمعي، وعمل محاكاة حقيقية للواقع؛ لذلك كان حريا أن نهتمبمسألة حقوق الإنسان داخل هذا المجتمع وخاصة بالنسبة للمرأة. وهو ما يفصله الباحث في إطار المطلبين التاليين:

المطلب الأول: أثر التطورات التكنولوجية على حقوق المرأة الأساسية وحرياتها العامة.

المطلب الثاني: أثر التطورات التكنولوجية على حق المرأة في العمل.

المطلب الأول: أثر التطورات التكنولوجية على حقوق المرأة الأساسية وحرياتها العامة

منذ منتصف القرن الماضي بدأت نتائج التطورات العلمية والتقنية تظهر إلى الوجود في صورة منتجات وأدوات يسهل استخدامها في الواقع العملي، إلا أنها لم تغير هذا الواقع بشكل جذري إلا مع شيوع استخدام شبكة المعلومات الدولية “انترنت” وظهور ما يسمى بمجتمع المعلومات،([41])والذي يقوم على المعلومات المعالجة الكترونيا،فهو مدخلات الانتاج فيه، والخدمات المقدمة عبره، والمنتجات المتاحة من خلاله.

ولهذا المجتمع علاقة وثيقة بحقوق الإنسان، فلاهما يؤثر ويتأثر بالآخر، وهو ما يبدو ملحوظا بالنسبة لحقوق المرأة الأساسية وحرياتها العامة، إذ تدعم تكنولوجيا المعلومات حق المرأة في التمتع باستقلالها والحفاظ على حقها في الخصوصية؛ كذلك تعمل هذه التكنولوجيا حقها في الرعاية الصحية، والكشف المبكر EarlyDetection عن الأمراض المستعصية، والتنبؤ بحالة الأجنة التي تحملها، كما تستفيد النساء- وخاصة من كانت منهن من الأطفال والقاصرات- من هذه التكنولوجيا في حصولها على حقها في التعليم عن بعد وكذلك التدريب عن بعد.([42])

كما يمكن للمرأة أن تمارس عبر النظم الالكترونية- سواء عبر مواقع الويب أو مواقع التواصل الاجتماعي حقها في التعبير، وإبداء الآراء في المسائل العامة وشئون المجتمع، خاصة وأنه يمكن لها استعمال الاسماء المستعارة أو انتحال شخصية وهمية.([43])

ويرى الباحث أن الواقع الافتراضي– أو بمعنى أدق مجتمع المعلومات- بما يتصل به من نظم الكترونية وشبكات معلومات خاصة وعامة (الانترنت) واقع مثالي تستطيع المرأة فيه أن تحظى بكامل حقوقها الاساسية وأن تتمتع بحرياتها العامة على قدم المساواة مع الرجل، إذ أنها تستطيع أن تفلت من قيود العادات والتقاليد التي تتناقض مع هذه الحقوق، خاصة تلك العادات والتقاليد التي لا تجد لها سند من القانون أو الشرائع السماوية.([44])

وتتضح الأهمية السابقة لنظم المعلومات (أبرز ثمار التكنولوجيا المعاصرة) في خدة قضايا المرأة ومساعدتها في التمكين من حقوقها، استخدام هذه النظم في خدمة المرأة المعاقة؛ فعلى سبيل المثال يوفر تقديم الخدمات العامة بالطريق الإلكتروني- عبر الخط – فرصة مهمة وحقيقية لتعزيز اندماجها في المجتمع، وتيسير حصولها على المعلومات التي تسهل لها المشاركة في الحياة العامة،هذا إلى جانب تمكينها من التمتع بالخدمات العامة دون الحاجة للانتقال الجسدي بما ينطوي عليه من مشقة وإرهاق نفسي وجسدي لها. وسوف نرى لاحقا أن نظم المعلومات الالكترونية مكنت الفئات المهمشة- وخاصة النساء-من ممارسة العمل من داخل المنزل والتربح وممارسة بعض الأعمال التجارية عن بعد.([45])

وبرغم الايجابيات السابقة للتكنولوجيا الحديثة عامة- سواء كانت ذا صلة بالواقع الالكتروني (مجتمع المعلومات) أم لا- والتي ساهمت في تمكين المرأة داخل المجتمع المعاصر، وتمتعها بحقوقها وحرياتها الأساسية، فإنها هذه التكنولوجيا قد انطوت على الكثير من السلبيات ظهور نمط جديد من الإجرام، يطلق عليه جرائم الحاسوب أو الجرائم المعلوماتية، وتعد المرأة أبرز ضحايا هذا النوع من الإجرام، والفئات التي يسعى المجرمين للايقاع بها في براثنهم لابتزازها وإجبارها على ممارسة الرزيلة أو الاتجار بها عبر شبكات المعلومات وانتاج الأفلام والصور الإباحية.([46])

المطلب الثاني: أثر التطورات التكنولوجية على حق المرأة في العمل

الحق في العمل أحد حقوق الإنسانية الأساسية التي لا غنى عنها، لكى يحيا الإنسان حياة كريمة تليق بصفته الآدمية وهذا ما أكدت عليه الشريعة الإسلامية والدساتير العربية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان عامة أو بحقوق العمال وحرياتهم.([47])

وتأكيدا على حق المرأة في التمتع بالحق في العمل والكسب بالمساواة بالرجل فقد تضمنت المادة (11) من الدستور المصري الحالي (لعام 2014م) ما يلي: ” تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور…… كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها …..”.

والجدير بالذكر أن المشرع المصري قدأحسن حين ضمن الفقرة الأخيرة من المادة سالفة التزاما ألقاه على عاتق الدولة بأن تكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل.([48])

ولما كان خروج المرأة للعمل من الإشكاليات التي أثارتها الحداثة وضغوط الحياة المعاصرة، فقد ثار بشأنها الكثير من الجدل، الأمر الذي دفع العديد من المشرعين للتدخل بنصوص تشريعية ملزمة تنظم المركز القانوني للزوجة العاملة.

والملاحظ أن كافة الأنظمة محل الدراسة قد اتفقت على أن خروج الزوجة من بيتها لما هو مشروع، أو لعمل مباح، لا يعد ضربا من ضروب النشوز، الذي تحرم من أجله الزوجة من النفقة- وبعض الأحكام الشرعية الأخري. إلا أن هذه الأنظمة قد وضعت عدد من الضوابط التي تحكم هذا الأمر مراعاة لصالح الأسرة. وتتمثل هذه الضوابط في الاتي:

1: أن يكون العمل مشروعا من الناحية القانونية والشرعية، وملائما لطبيعة الزوجة الأنثوية. كأن تخرج للعمل في ديوان حكومي أو في شركة خاصة حسنة السمعة بها الكثير من الموظفات، أو في محل تجاري أو صناعي يتناسب مع طبيعتها ولا يخدش بسببه حيائها. أما إذا كان عملها في ملهى ليلي أو في مكان يسيء إلى سمعتها وسمعة أسرتها، كان خروجها غير مشروع، وعد من قبيل النشوز، الذي يسقط حقها في النفقة.

2: أن يوافق الزوج على عمل الزوجة- صراحة أو دلالة- باعتباره رب الأسرة والقائم على شئونها ومن له القوامة عليها. ومن باب الموافقة الصريحة على عمل الزوجة أن تكون هذه الموافقة وفاء من الزوج لشرط تضمنه عقد الزواج صراحة،([49]) أو توقيعه على أحد مسوغات تعيين الزوجة أو إحدى الوثائق اللازمة لذلك. أما عن صور الموافقة الضمنية على عمل الزوجة، أن يكون الزوج عالماً بعملها حين زواجهما. ومن الحري بالقول أن بعض الأنظمة لا تعتد برفض الزوج لعمل زوجته، إذا كان هذا الرفض يعد من قبيل التعسف في ممارسة الحق؛ وهذا ما نص عليه المقنن السوداني في المادة (75/د) من قانون الأحوال الشخصية. كما قرر المقنن الأردني في المادة (61/ب) من من قانون الأحوال الشخصية أنه: “لا يجوز للزوج الرجوع عن موافقته على عمل زوجته إلا بسبب مشروع ودون أن يلحق بها ضرراً”.

3: ألا تكون موافقة الزوج على عمل الزوجة قد صدرت بناء على اشتراط الزوج عليها اشتراكها في الإنفاق على الأسرة أو بإسقاطها بعض نفقة الزوجية أو تنازلها عن جزء من راتبها. وفي مقابل ذلك تتحمل الزوجة نفقات خروجها للعمل، وذلك مالم يتفقا على خلاف ذلك.([50]) وقد أحسن المقنن البحريني حين نص صراحة على أنه: ” ليس للزوج إلزام الزوجة بالعمل”.([51])

4: ألا يكون عمل منافيا لمصلحة الأسرة أو لمصلحة أحد أفرادها كالزوج أو أحد الأبناء أو جميعهم. وإلا صار عملها ضربا من ضروب النشوز المسقط لحقها في النفقة، وتأكيدا على ذلك قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بأن: ” تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام، فقد دل ذلك على أن عمل المرأة لا يجوز أن يخل بواجباتها نحو أسرتها أو يجور عليها، بما مؤداه أن احتياجها إلى العمل أو تفوقها فيه أو كسبها منه لا يجوز أن يصرفها عن روابطها الأصلية بأسرتها ولا يبدد تماسكها، بل ينبغي أن يكون حق بيتها من الأمن والإستقرار مقدماً على ما سواه”.([52])

والجدير بالذكر أن بعض الأنظمة محل الدراسة لم تشر إلى الضوابط السابقة بصورة مفصلة، واكتفت في الغالب بالإشارة إلى أحدها دون بقية الضوابط؛ وهذا بخلاف ما أخذ به المقنن البحريني، الذي أورد تفصيلا لهذه الضوابط، ويليه في ذلك المقنن الأردني والمقنن الإماراتي، بيد أن هذه الضوابط جميعها لا تخالف أي من الأنظمة محل الدراسة؛ لذا فإنه يجب على القاضي مراعاتها عند نظر أي نزاع ذي صلة([53]).

المبحث الثاني: أثر التطورات التكنولوجية على حق المرأة في النفقة والحضانة

يتناول الباحث في هذا المبحث أثر التطورات التكنولوجية على حق المرأة في النفقة والحضانة بوصفهما أبرز حقوق المرأة العائلية، والتي يكون لهما (أي لهذين الحقين) أثر وانعكاس اجتماعي بارز، على النحو الذي سيأتي بيانه في إطار المطلبين التاليين:

المطلب الأول: أثر التطورات التكنولوجية على حق المرأة في النفقة.

المطلب الثاني: أثر التطورات التكنولوجية على حق المرأة في الحضانة

المطلب الأول: أثر التطورات التكنولوجية على حق المرأة في النفقة

للحق في النفقة في عصرنا هذا أهمية عملية تفوق ما كانت عليه في العصور القديمة، نظرا لانتشار آفة الجرائم المنظمة والجرائم الأخلاقية، التي صارت تستهدف الفقراء والمستضعفين، وتكون ضحاياها في الغالب من الأطفال والنساء؛ إذ يستغل الجناة حاجاتهم إلى المال، وضآلة شأنهم وغياب من يكفلهم ماليا ويراعهم اجتماعيا.

والثابت فقها ووضعا أن قدرة الرجل على الإنفاق من شروط الزواج الصحيح والنجاح في الحياة العملية؛ لذلك فقد كفلت بعض القوانين للجهة -أو للشخص- المختصة بتوثيق عقد الزواج التحقق من قدرة الزوج المالية على المهر، وقدرته على الإنفاق على من تجب عليه نفقته، درءا لمفسدة الطلاق المحتمل إذا كانت المرأة تجهل هذه الأمور قبل العقد واكتشفتها بعده. ([54])

أولا: مفهوم النفقة لغةً وإصطلاحاً

لغة: النفقة من الأصل ” نفق” الذي له في اللغة أكثر من معني، منها:

أ. انقطاع الشيء وذهابه (أي هلاكه)، فيقال: نفقت الدابة نفوقا: ماتت وهلكت, وأنفق الرجل: افتقر أي ذهب ما عنده، ونفق الزاد: فنى.

ب. الإنفاق والإخراج, ومنه النفق: المسلك النافذ الذي يمكن الخروج منه , والممر الذي يخترق الحواجر، والجمع أنفاق , ومنه سمي النفاق؛ لأن صاحبه يخرج من الإيمان أو يخرج الإيمان من القلب.([55])

ج: الرواج: فيقال نفقت السلعة أي راجت.([56])

د: الزَّادُ، كلّ ما يحتاج إليه الإنسان ليعيش عيشة لائقة .

هـ: وما ينفقه الإنسان على نفسه وعياله ونحوه. ويقال فلانٌ قليل النَّفقات: بخيل، وأسبغ له النَّفقة: وسّع عليه. ([57]) وعامة هي كل ما يُبذل من المال.([58])

أما في الإصطلاح: فقدعرفت النفقة في المذهب الحنفي بأنها: ” الإدرار على الشيء بما به يقوم بقاؤه”؛ لذا فهى عندهم تتمثل في: الطعام والكسوة والسكنى.([59])

وعرفت النفقة عند المالكية بأنها: ” ما به قوام معتاد حال الآدمي دون سرف”.([60]) لذا فإنه يخرج من النفقة لديهم ما ليس بمعتاد في قوت الآدمي- كالحلوى والفواكه- أو كان به سرف.([61])وهى عند الشافعية: الطعام المقدر للزوجة والخدم على الزوج والخدم ولغيرها من أصل وفروع ورقيق وحيوان،([62])وفي المجمل هي الإخراج في الخير.([63]) أما عند الحنابلة بأنها: كفاية من يمونه طعاما وكسوة ومسكناً وتوابعها.([64])

وقد عرف المشرع اليمني- في المادة (149) أحوال شخصية- النفقة بأنها: ” المؤن اللازمة في مال الشخص لغيره لسبب أو نسب وتشمل الغذاء والكسوة والسكن والمعالجة والاخدام ونحو ذلك”.

ومما سبق يتضح أن النفقة على نوعين، الأول: نفقة الإنسان على نفسه، وهي واجبة عليه إذا قدر عليها. أما الثانية: فهي نفقة تجب على الإنسان لغيره، وأسباب وجوبها ثلاثة: النكاح والقرابة والملك.([65])

ونظرا لارتباط النفقة بالحاجة الفعلية لمستحقها ومدي يسار الملتزم بها، فقد أجازت الأنظمة الوضعية محل الدراسة زيادةالنفقةأوتخفيضهاتبعاًلتغير الأحوال الإقتصادية والأسعار في الدولة أو تغير حال الملتزم بالنفقة أو مستحقها من حيث اليسار والعسرة… إلى غير ذلك من الأمور التي تؤثر على مقدار النفقة.([66])

وفي كل الأحوال فإن تاريخ المطالبة القضائية، هو الميعاد الذي يبدأ منه أحتساب زيادة النفقة أو نقصانها.([67])

المطلب الثاني: أثر التطورات التكنولوجية على حق المرأة في الحضانة([68])

يعد حق الحضانة من أهم مظاهر رعاية الطفولة،([69]) لكون الطفلفي حاجة ماسة لمن يحفظه ويتعهد علي تربيته بما يصلحه ويحميه؛ ففي هذه المرحلة يكون ضعيفا عاجزا عن القيام بشئون نفسه؛ وتعرف الحضانة شرعاً بأنها تربيةالطفل ورعايته والقيام بجميع أموره في سن معينة ممن له الحق في الحضانة.([70])وقد اغفل المشرع المصري أن يعرف الحضانة في قوانين الأحوال الشخصية، في حين أفرد لتعرفيها بعض المشرعين العرب نصوصا خاصة به.([71])

ومما سبق يتضح أن إقرار حق الحضانة للطفل يهدف إلى تحقيق الغايات الآتية: تعليم الطفل، وتربيته على دين أبيه، والسهر على حمايته، وخاصة الناحية الخلقية والصحية ؛([72]) الأمر الذي يقتضي أن يتوافر في الحاضن(الذي يتولى شؤون الصغير بإذن الشرع أو بأمر القاضي ذكرا كان أم أنثى) شروطا معينا حرص علي إبرازها فقهاء الشرع والقانون منها: الأهلية، والأمانة على الأخلاق، والقدرة على التربية؛([73]) وبجانب ذلك فإنه إذا كان الحاضن رجلا فيشترط أن يكون الحاضن محرما للمحضون إذا كانت أنثى،([74]) واتحاد الدين بين الحاضن والمحضون.([75])

أما فيما يتعلق بالنساء فيجب ألاّ تكون متزوجة بأجنبي عن الصغير أو بقريب غير محرم منه؛ وأن تكون ذات رحم محرم من الصغير، وعدم إقامة الحاضنة بالصغير في بيت يبغضه، وألاّ تكون قد امتنعت عن حضانته مجانا والأب معسرا.([76])

وفي كل الأحوال لا يتحقق الاستخدام الأمثل لحق الطفل في الحضانة إلا بتهيئة المناخ المناسب لممارسة هذا الحق وإزالة المعوقات التي تعترض طريقه والتي يمكن حصرها في المشكلات التالي ذكرها مع إبرازنا لدور التقنية المعلوماتية في معالجتها:

مشكلة جهل الأمهات بفنون ومهارات الأمومة؛ وهذا يرجع إما لإهمال وظائف الأمومة في المناهج الدراسية، التي لا تعد المرأة (الفتاة) لوظيفتها الطبيعية التي يجب أن تقوم بها، رغبة من المسئولين في إزالة الفوارق بين الذكر والأنثى؛ الأمر الذي يترتب عليه الإضرار بالأجيال القادمة جسديا ونفسيا واجتماعيا؛ هذا إلى جانب أن تطلعات الفتيات اليوم تطلعات بعيدة عن وظيفة الأمومة مما يرتب عليه – مستقبلا- ترك مهمة تربية الطفل للخادمات. مع الاعتقاد بأن الخبرة المباشرة هي التي تعلم المرأة، تكتسبها مع مرور الزمن. ([77]) وتبرز أهمية شبكات المعلومات بصدد هذه المشكلة- في رأي الباحث- في استخدام هذه الشبكات في توعية الفتيات بدورهن المستقبلي، وتوعية الأهل بأهمية إعدادها لهذا الدور، هذا إلى جانب الاستعانة بالبرامج الالكترونية المصممة خصيصا لهذا الغرض، مع مراعاة أن تحقيق هذا الهدف لا يشترط في القائم عليه الصفة الرسمية.

مشكلة حضانة الطفل الذي تتغيب أمه عن البيت فترة طويلة؛ فقد أثبتت التجربة والدراسات المتخصصة سلبيات خروج المرأة للعمل علي حضانة الطفل وتربيته وما ينتج عن ذلك من مشاكل.([78]) وهذه المشكلة من اليسير التغلب عليها؛ من خلال الاستعانة بالتقنية الالكترونية الحديثة التي تسمح بتطبيق سياسات وآليات العمل عن بعد، التي تسمح للمرأة العمل في المنزل بجانب رعاية أسرتها وأطفالها؛ أو استخدامها لتقنيات المراقبة عن بعد ومتابعة سلوكيات الأولاد في المنزل.

مشكلة الاعتماد علي الخادمات الأجنبيات في تربية الطفل أثناء مرحلة الحضانة.([79]) الأمر الذي قد يؤثر علي ثقافة الطفل واكتسابه عادات تخالف أخلاقيات المجتمع وقيمه. لذلك يجب نشر ثقافة التوعية للأمهات من خلال شبكات المعلوماتية بخطورة هذه الظاهرة.

مشكلة تمسك أحد الوالدين بحقه في التنقل مع تعارض ذلك مع حقه في الرؤية أو الحضانة: قد أقرت الكثير من المجتمعات بتأثير تقنية المعلومات على حقوق الحضانة والوصول إلى الأطفال من قبل الآباء غير الحاضنين – وخاصة الانترنت- في حال رغبتهم في الانتقال إلى مكان آخر يخالف محل إقامة الطفل مما يصعب معه رؤية الطفل في المناطق التقليدية المخصصة للرؤية؛ فحق الوالد غير الحاضن في الحفاظ على علاقة وثيقة وصحية مع الطفل، والمساهمة في نمو شخصيته، يتعارض مع حق هذا الوالد في التنقل والعمل في أي مكان يختاره أو حق الأم الحاضنة في التنقل؛ حيث يمكن من خلال التنظيم القانوني استغلال شبكة الانترنت في توفير فرصة للوالد غير الحاضن في رؤية الصغير وتوفير محل رؤية الكتروني آمن. وهو أمر قابل للتطبيق في القانون المصري حيث إن للمحكمة أن تختار المكان الذي يتم فيه رؤية الصغير- من الأماكن المنصوص عليها بالمادة 4 من قرار وزير العدل رقم 1087 لسنة 2000 بشأن أماكنرؤيةالصغير- وقد تراعي في ذلك أن يكون هذا المكان مجهز بأنظمة اتصال الكتروني تسمح باتصال الوالد غير الحاضن مع الطفل علي أن يتم هذا الاتصال وفقا للمعايير المنصوص عليها في المواد (5، 6، 7، 8)([80]) القرار السابق، كما أن الرؤية الالكترونية تقضي على الكثير من أسباب التي تدفع من بيده الصغير إلى الامتناع عن تنفيذ أحكام رؤية الصغير.
الخاتمة

اهتمت هذه الدراسة بواحدة من الإشكاليات القانونية المهمة التي اقترنت بظاهرة العولمة والثورة التكنولوجية المصاحبة لها، ألا وهى ” أثر الحداثة على الحقوق الزوجية والعائلية للمرأة”.

وقد قسم الباحث هذه الدراسة إلى مبحثين يسبقهما مبحث تمهيدي، خصصه لدراسة ماهية حقوق المرأة الزوجية ومضمون الحق الرقمي. أما المبحث الأول فقد تناول فيه مدى تأثر حقوق الإنسان للمرأة بالتطورات التكنولوجية المعاصرة، وخاصة تلك الحاصلة في مجال نظم المعلومات والاتصالات، من خلال بيان أثر هذه التطورات على حقوق المرأة الأساسية وحرياتها العامة، وعلى وجه الخصوص أثر هذه التطورات على حق المرأة في العمل.

أما المبحث الثاني فقد درس فيه الباحث أثر التطورات التكنولوجية على حق المرأة في النفقة والحضانة.

وقد انتهت هذه الدراسة إلى عدد من النتائج والتوصيات:

أولا: النتائج:

– فكرة الحق من أكثر الأفكار التي تعرضت للجدل والاختلاف حولها؛ لذلك فقد عرف بأنه: ” استئثار بقيمة معينة ثابتة بالشرع أو القانون لله تعالي أو للشخص أو لهما معا علي الغير مع حمايته عن طريق التسلط أو الاقتضاء”.

– حقوق الإنسان الرقمية هى: ” حقوق يقررها القانون أو الشرع، للإنسان أيا كان نوعه أو عمره أو أصله؛ تكفل له الاستفادة والتمتع بثمار التقنية الحديثة في المجال الرقمي (المعلوماتي)، علي نحو عادل ومتكافئ مع غيره ودون أن يخل ذلك بكرامته الإنسانية أو يمس حريته، خاصة عند استخدامه للنظم المعلوماتية المفتوحة وشبكات الاتصالالرقمية“.

– الحق الرقمي يمثل امتدادا لحقوق الإنسان التقليدية وتطبيقا لها في المجال الالكتروني. كما أنه يتصف بذات الخصائص التي تميز حقوق الإنسان التقليدية التي يجب أن يتمتع بها في الواقع.

– المستقر عليه شرعاً أن قوامة الرجل على المرأة أساسها تكريم وتشريف لها، إذ أنها (أي القوامة) تكليف للزوج، ولا ينتج عنها إلغاء الشخصية القانونية للمرأة أو الانتقاص منها، ولا يجوز أن تفهم على أنها وسيلة للتسلط عليها.

– من أبرز الحقوق التي تتمتع بها المرأة- بوصفها زوجة- في مواجهة زوجها، حقها في الصداق (أي المهر)، وحقها في النفقة عليها، وحقها في الاحتفاظ باسمها العائلي، وتوفير السكن الملائم لها، وفي السماح لها بزيارة أبويها ومحارمها واستزارتهم بالمعروف، وفي عدم التعرض لأموالها الخاصة، وعدم الإضرار بها مادياً أو معنوياً، وحقها في العدل بينها وبين بقية الزوجات إن كان للزوج أكثر من زوجة.

– لمجتمع المعلومات علاقة وثيقة بحقوق الإنسان، فلاهما يؤثر ويتأثر بالآخر، وهو ما يبدو ملحوظا بالنسبة لحقوق المرأة الأساسية وحرياتها العامة، إذ تدعم تكنولوجيا المعلومات حق المرأة في التمتع باستقلالها والحفاظ على حقها في الخصوصية، وممارسة حقها في التعبير، والحصول على المعلومات والمشاركة في الحياة العامة …الخ.

– خروج الزوجة من بيتها لما هو مشروع، أو لعمل مباح، لا يعد ضربا من ضروب النشوز، الذي تحرم من أجله الزوجة من النفقة- وبعض الأحكام الشرعية الأخري. إلا أن الأنظمة محل الدراسة قد وضعت عدد من الضوابط التي تحكم هذا الأمر مراعاة لصالح الأسرة.

ثانيا: التوصيات:

– يجب الاهتمام بنشر الثقافة المعلوماتية، أي الاهتمام بمحو الأمية المعلوماتية السائدة في المجتمع العربي والمصري خاصة، حتى تتمكن المرأة- بمراحل عمرها المختلفة- من استخدام نظم المعلومات الالكترونية في تمكينها في المجتمع والتمتع الكامل بكافة حقوقها الأساسية.

– يجب التوعية بالدور المهم الذي تقوم به نظم المعلومات الالكترونية في دعم حقوق الإنسان وخاصة بالنسبة للفئات المهمشة كالنساء والأطفال.

– يجب تعزيز حقوق النساء- وخاصة ذوي الإعاقة- علي أساس مبدأ تكافؤ الفرص وإزالة الحواجز التي تؤدي إلى التمييز والاستبعاد. واعتماد وتعزيز المعايير المتاحة من أجل إزالة الحواجز المادية والاجتماعية التي تعيق تمكين النساء والمعاقين ومشاركتهم في مجتمع المعلومات، وسن القوانين اللازمة لذلك.

– تنفيذ ما انتهت إليه المؤتمرات العالمية والإقليمية والوطنية والمنعقدة بشأن قضايا المرأة، مع تفعيل الاتفاقيات الدولية والنصوص القوانين الوطنية ذات الصلة بالمركز القانوني للمرأة، حتى تحظى الأخيرة بكامل حقوقها وحرياتها العامة، وتتمتع بالحماية القانونية الكافية لصون كرامتها واحترام إنسانيتها.

 

(محاماه نت)

إغلاق