دراسات قانونية

أحكام الامتناع عن الوفاء في الكمبيالة (بحث قانوني)

أحكام الامتناع عن الوفاء في الكمبيالة على ضوء مقتضيات مدونة التجارة

ياسين أمهدا

باحث في العلوم القانونية و القضائية

يعتبر الوفاء بالمبلغ الثابت في الكمبيالة أهم مرحلة في التعامل بهذه الورقة التجارية و قد نظم أحكامه المشرع التجاري المغربي في المواد من 184 إلى 195 , و تظهر أهميته في كونه الطريق الطبيعي لانقضاء الالتزام الصرفي بحيث يتوجه الحامل للمسحوب عليه بقصد الوفاء . و في حالة قبول المسحوب عليه لهذا الوفاء تنتهي الكمبيالة كورقة تجارية و تبرأ ذمة المسحوب عليه القابل و ذمم سائر المدينين بها .

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

لكن يثور الإشكال عندما يتوجه الحامل إلى المسحوب عليه بقصد استيفاء المبلغ الثابت في الكمبيالة و يرفض المسحوب عليه الوفاء بقيمة هذه الورقة التجارية ؟ فكما هو معلوم أن عالم التجارة و الأعمال يتطلب بالضرورة سيادة الثقة و الائتمان في المعاملات التجارية(1) و من بينها التعامل بالكمبيالة التي تعتبر من أبرز الأليات التجارية التي خلقها القانون الصرفي بقصد تسريع تداول الأموال , و يعد توفير الحماية القانونية لهذه الورقة التجارية منذ التكوين إلى حين الوفاء لبنة أساسية لتعزيز ثقة التجار في التعامل بهذه الورقة التجارية , تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المشرع المغربي كرس مجموعة من القواعد الإجرائية و الموضوعية الذي يتسنى على الحامل اتباعها بقصد الحصول على حقه الثابت في الكمبيالة في حالة الامتناع عن الوفاء من طرف الملتزمين الصرفيين .

ذلك أنه عند امتناع المسحوب عليه القابل عن الوفاء يكون من حق و واجب الحامل تحرير احتجاج عدم الوفاء و الرجوع على سائر الموقعين على الكمبيالة باعتبارهم ضامنين للوفاء بقيمتها (2). و الحامل في إطار مباشرته للرجوع على باقي الملتزمين نتيجة عدم الوفاء ألزمه المشرع بسلوك طريق قانوني محدد , يبدأ بداية بتحرير احتجاج رسمي لعدم الوفاء كوسيلة من خلالها يتم إثبات امتناع المسحوب عليه عن الوفاء , ثم في مرحلة ثانية ينبغي على الحامل اتباع دعوى الرجوع على الملتزمين في الكمبيالة و ذلك بحسب إرادته و اختياره لطبيعة هذا الرجوع بين الرجوع القضائي و الرجوع الغير القضائي . و من هنا يمكن طرح إشكال عام مفاده إلى أي حد استطاع المشرع التجاري المغربي توفير الحماية القانونية لحامل الكمبيالة في حالة الامتناع عن الوفاء و ما هو احتجاج عدم الوفاء ؟ و ما هي إجراءاته و أثاره القانونية ؟ و ما هي أبرز الأحكام القانونية لدعوى الرجوع الصرفي كإجراء قانوني يريد من خلاله الحامل استيفاء الحق الثابت في الكمبيالة ؟

جوابا على كل هذه الأسئلة و الإشكالات سنعمل على دراسة أحكام الامتناع عن الوفاء بالدرس و التحليل في الموضوع التالي و ذلك باعتماد المنهج الدراسي التالي :

المطلب الأول : ضرورة تنظيم احتجاج عدم الوفاء كإجراء أولي لاستيفاء مبالغ الكمبيالة .

المطلبالثاني :أحكامدعوىالرجوعالصرفي.

المطلبالأول :ضرورةتنظيماحتجاجعدمالوفاءكإجراءأوليلاستيفاء مبالغ الكمبيالة .

إن تحرير احتجاج عدم الوفاء يعتبر الخطوة الأولى بقصد البدء في إجراءات الرجوع فهو يشكل وسيلة إثبات لعدم الوفاء بقيمة الكمبيالة وسنعمل على دراسة ماهيته و ضرورة إقامته في (الفقرة الأولى) ثم دراسة ميعاده و إجراءاته القانونية و أهم الأثار المترتبة عليه في (الفقرة الثانية ) .
الفقرة الأولى :ماهية الاحتجاج والحالات الاستثنائية التي يعفى الحامل من تحرير الاحتجاج .

1.ماهية الاحتجاج و ضرورة إقامته :
عرف بعض الفقه (3) الاحتجاج بأنه ورقة رسمية يحررها مفوض قضائي لإثبات امتناع المسحوب عليه عن دفع قيمة الكمبيالة , و هو حجة قاطعة على التقديم للوفاء و على الامتناع عنه , لا يمكن الطعن فيه إلا بالزور و قد نظم القانون الصرفي المغربي هذه الورقة –أي الاحتجاج – في المواد من 209 إلى 212 , بحيث جمع المشرع في أحكام هذه المواد بين القواعد المطبقة عليها و القواعد المطبقة على ورقة احتجاج لعدم القبول . و طبقا للمادة 211 من مدونة التجارة فإن تنظيم الاحتجاج لعدم الوفاء أو عدم القبول يعتبر إجراء ضروري و إلزامي , على اعتبار أنه يشكل ألية الإثبات الوحيدة التي تثبت بأن الحامل توجه إلى المسحوب عليه ليستوفي مبلغ الكمبيالة في الأجل القانونية لذلك , لكي يسوغ له الرجوع على باقي الملتزمين .

و يلاحظ في هذا المجال أن المشرع في الأوراق التجارية و خصوصا الكمبيالة شدد من ضرورة احترام الشكلية و خرج بذلك عن المبدأ العام المقرر في المادة التجارية ألا و هو حرية الإثبات(4) حيث جاء في المادة 334 من مدونة التجارة (( تخضع المادة التجارية لحرية الإثبات , غير أنه يتعين الإثبات بالكتابة , إذا نص القانون أو الاتفاق على خلاف ذلك )) , و عليه فلا يجدي الإقرار الكتابي و لا الإثبات بشهادة الشهود في إثبات امتناع المسحوب عليه عن القبول أو الوفاء و لا يكون للحامل سوى تحرير الاحتجاج بقصد إثبات هذا الامتناع .

2.الحالات الاستثنائية التي يعفى فيها الحامل من تحرير الاحتجاج :
من أبرز خصائص الكمبيالة أن المشرع فرض على المتعاملين بها ضرورة احترام الشكلية فيها(5) , و يلاحظ على هذه الشكلية أنها تستمر مع الكمبيالة منذ الإنشاء إلى حين الانقضاء , و ارتباطا بموضوعنا فإن الحامل عليه أن يحترم من حيث المبدأ شكليات إثبات امتناع المسحوب عليه عن الوفاء و لا يسعه ذلك إلا بتحرير احتجاج عدم الوفاء . بيد أن المشرع قرر في حالات استثنائية إعفاء الحامل من تحرير احتجاج عدم الوفاء كما أجاز للأطراف استثناء بعضها الأخر و تتمثل هذه الحالات الاستثنائية في ما يلي :
-الحالة الأولى :التسوية أو التصفية القضائية للمسحوب عليه أو توقفه عن الدفع أو الحجز عن أمواله بدون جدوى .

-الحالة الثانية : التسوية أو التصفية القضائية لساحب الكمبيالة مشروط عدم تقديمها للقبول بحيث أجاز المشرع في هذه الحالة للحامل في الفقرة الأخيرة من المادة 197 الرجوع مباشرة على الضامنين دون انتظار حلول ميعاد الاستحقاق و إذا كان الحامل قد صرح بالدين في الأجل فيكفيه في هذا الرجوع تقديم الحكم القاضي بالتسوية أو التصفية القضائية ليجوز له استعمال حقه في الرجوع دون لزوم تحرير الاحتجاج .

-الحالة الثالثة :تنظيم الاحتجاج لعدم القبول و هو ما تنص عليه الفقرة الرابعة من المادة 197 من مدونة التجارة من أن احتجاج عدم القبول يغني عن تقديم الكمبيالة للوفاء , و عن احتجاج عدم الوفاء سواء تعلق الأمر بالرفض الكلي أو الجزئي للقبول من طرف المسحوب عليه .
-الحالة الرابعة :حالة ضياع الكمبيالة أو سرقتها , و ذلك راجع إلى كون المشرع أوقف الوفاء في هذه الحالة على صدور أمر قضائي من رئيس المحكمة المختصة طبقا للمواد 190إلى 192 بعد إثبات ملكية الكمبيالة و تقديم كفالة لكتابة الضبط بالمحكمة المختصة .

-الحالة الخامسة :وجود شرط بدون مصاريف أو بدون تقديم احتجاج . و هو شرط اتفاقي يدرجه المظهر أو الساحب أو الضامن الاحتياطي يخول لحامل الكمبيالة الرجوع على الملتزمين بدون مصاريف .
-الحالة السادسة :استمرار القوة القاهرة , فوفقا لما تنص عليه المادة 207 من مدونة التجارة فإنه إذا استمرت القوة القاهرة أكثر من ثلاثين يوما جاز لحامل الكمبيالة رفع الدعوى دون حاجة لتحرير الاحتجاج مالم تكن دعوى الرجوع موقوفة لمدة أطول بمقتضى نصوص خاصة .

-الحالة السابعة :وجود أمر بالأداء و ذلك تطبيقا لما تن عليه المادة 162 من ق.م.م على أنه : (( إذا كان الدين مترتبا على كمبيالة نتج عن الأمر بالأداء جميع أثار الاحتجاج بعدم الدفع في مواجهة الحاملين و المستظهرين )) و هي القاعدة الذي كرسها الاجتهاد القضائي لعمل محكمة الاستئناف التجارية بفاس في قرارها رقم 47 الصادر بتاريخ 10/1/2012في الملف عدد 524/2011

من أنه ( وجود الكمبيالة سند الأمر بالأداء بحوزة الدائن و تحت يده قرينة على عدم حصول الوفاء بها ).
-الحالة الثامنة :إذا تعلق الأمر بالملتزمين الرئيسيين بالكمبيالة و يتعلق الأمر ها هنا بالمسحوب عليه القابل و الساحب الذي لم يقدم مقابل الوفاء و ضامنيهم الاحتياطيين .

الفقرة الثانية : إجراءات الاحتجاج و أثاره القانونية .
من حيث ميعاد تحرير الاحتجاج فإن المادة 197 نصت على أنه(( متى كانت الكمبيالة مستحقة الوفاء في يوم معين أو بعد مدة من تاريخها أو بعد مرور مدة من الاطلاع وجب إقامة الاحتجاج داخل أحد أيام العمل الخمسة الموالية ليوم الاستحقاق . و متى كانت الكمبيالة مستحقة عند الاطلاع وجب تحرير الاحتجاج ضمن الشروط المعينة في الفقرة السابقة بشأن تحرير احتجاج عدم القبول ))

و المشرع و الحالة هذه يميزبين نوعين من الكمبيالات: الأولى وهي الكمبيالة المستحقة الدفع في يوم معين , أو بعد مدة معينة من تاريخ إنشائها أو من تاريخ الاطلاع عليها ففي ضوء هذا النوع يتعين تقديمها للوفاء في ميعاد الاستحقاق , و من اللازم إقامة الاحتجاج داخل أحد أيام العمل الخمسة الموالية ليوم الاستحقاق . و الثانية هي الكمبيالات الواجبة الدفع بمجرد الاطلاع بحيث وجب على الحامل إقامة الاحتجاج لعدم الوفاء بالتزامن مع إقامة الاحتجاج لعدم القبول و عليه تكون المدة خلال سنة من تاريخ التحرير, و الجذير بالذكر أن تحرير الاحتجاج لعدم الوفاء غير جائز في يوم الاستحقاق , و إلا عد باطلا إذ أن هذا اليوم متروك للمدين , ليتدبر فيه مسالة الوفاء .

و تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن تنظيم الاحتجاج عدم الوفاء و عدم القبول يكون بناء على طلب حامل الكمبيالة ,سواء كان مالكها أو وكيلا أو المظهر إليه تظهيرا تأمينيا و يعتبر المفوض القضائي الجهة التي أوكل إليها القانون صلاحية تحرير الاحتجاج .

و طبقا للمادة 161 من المدونة التجارية فإن هذا الاحتجاج يقام في موطن الشخص الملزم بالوفاء , أو في أخر موطن معروف له أو في المحل المختار أو في موطن القابل بالتدخل ,هذا و تلزم المادة 209 المفوض القضائي في حالة وجود بيان خاطئ يتعلق بالموطن , أن يجري تحريا قبل إقامة الاحتجاج و أن يقوم بإثبات ذلك في محرر مستقل .و من بين الإجراءات اللازم على الحامل اتبعها أيضا هو إعلام باقي الملتزمين الصرفيين بالكمبيالة بعدم القبول أو الوفاء بهدف اطلاعهم على حقيقة الوضع و يتدبروا مركزهم المالي ,
فالمادة 199 ألزمت الحامل بتوجيه إعلام للساحب و باقي المظهرين يبلغهم من خلاله بعدم قبول أو عدم وفاء الكمبيالة و حسب نفس المادة فإنه يجب على المفوض القضائي باعتباره عون التبليغ إذا كانت الكمبيالة تتضمن اسم الساحب و موطنه , إشعار هذا الأخير بأسباب رفض الوفاء بالبريد المضمون داخل ثلاثة أيام العمل الموالية ليوم إقامة الاحتجاج.

و يتضمن الاحتجاج البيانات التي نصت عليها المادة 210 وهي : 1- النص الحرفي للكمبيالة بكل ما كتب فيها من بيانات إلزامية و اختيارية و لما أثبت فيها من عبارات القبول و التظهير مع ذكر الشخص المفوض بقبولها أو وفائها عند الاقتضاء . 2- إنذار موجه للمدين بوفاء قيمة الكمبيالة , و يعد هذا البيان بمثابة إعذار للمسحوب عليه بالدفع .3-إثبات حضور أو غياب الملزم بالوفاء 4-الأسباب التي يسوقها الملزم لتبرير امتناعه عن القبول أو الوفاء .

أما من حيث الأثار القانونية المترتبة عن تحرير الاحتجاج نجملها في ما يلي : * إثبات عدم القبول و عدم الوفاء عن طريق وثيقة رسمية لا يجوز الطعن فيها إلا بالزور .*صيانة حق الحامل في مواجهة الضامنين لأن تحرير الاحتجاج شرط للرجوع و مطالبتهم بقيمة الكمبيالة .*إثبات تقديم الحامل للكمبيالة للقبول أو الوفاء في الميعاد القانوني *إمكانية الرجوع على الضامنين قبل حلول ميعاد الاستحقاق.

المطلبالثاني :أحكام دعوى الرجوع الصرف .

بعد أن يثبت الحامل عدم الوفاء بمبلغ الكمبيالة باحتجاج رسمي يحرره مفوض قضائي , مع ضرورة اتباع الإجراءات السابق ذكرها , يحق له حينها الرجوع على باقي الملتزمين الصرفين إما فرادى أو جماعة دون أن يكون ملزما باتباع الترتيب الذي صدر به التزامهم و سنعمل على دراسة أحكام و مقتضيات هذا الرجوع في ( الفقرة الأولى ) أما بعد أن يستوفي الحامل مبلغ الكمبيالة من أحدهم –أي الملتزمين – يحق لهذا الملتزم الموفي الرجوع على باقي الملتزمين طبقا لأحكام معينة سنعمل على تأصيلها في (الفقرة الثانية ).

الفقرةالأولى: رجوع الحامل على الملتزمين بالكمبيالة .
في حالة حلول تاريخ الاستحقاق و لم يعمل الملتزم الصرفي بالوفاء في التاريخ المحدد لذلك , يحق للحامل بعد تحرير الاحتجاج على باقي الملتزمين و المطالبة بالمبالغ الثابتة في الكمبيالة التي تعتبر بيانا إلزاميا لا غنى عنه (6) و هي المبالغ التي حددتها المادة 202 من المدونة التجارية و المتمثلة في : ( 1-مبلغ الكمبيالة و هو الدين الثابت في هذه الورقة التجارية للمستفيد على الساحب و الذي أمر هذا الأخير المسحوب عليه بدفعه لفائدة المستفيد / 2-الفوائد القانونية و هي التي يحددها القانون كتعويض عن تأخر المدين بدفعها في الميعاد المحدد لذلك و تحسب من تاريخ الاستحقاق ./ 3- الفوائد الاتفاقية : و هو بيان اختياري غير مؤثر في الكمبيالة و قد نصت عليه المادة 162 بحيث أنه (يجوز لساحب كمبيالة مستحقة عند الاطلاع أو بعد مدة من الاطلاع أن يشترط فائدة على مبلغ الكمبيالة .

و يعتبر هذا الشرط غير موجود في أنواع الكمبيالات الأخرى ) و لكي يكون هذا الشرط معتبر قانونا يجب أن يكون محدد السعر , و يتم احتساب السعر من يوم إنشاء الكمبيالة مالم يعين تاريخ أخر من طرف الساحب ./4-مصاريف الاحتجاج و الإخطارات المرسلة و غيرها من المصاريف بيد أنه إذا تعلق الأمر بكمبيالة مدرج في متنها الرجوع بدون مصاريف فإن هذه المبالغ لا يعتد بها في مواجهة كافة الملتزمين إذا كان مدرج الشرط هو الساحب , لكن يكون له أثر نسبي إذا كان مدرجه هو المظهر حيث أنه في هذه الحالة الأخيرة يعفى المظهر مدرج الشرط دون باقي الموقعين ).

و مما تجدر الإشارة إليه في هذا الباب هو أن هذه المبالغ تخفض في حالة الرجوع المبتسر أو المبكر للحامل على باقي الملتزمين و هو ما يستفاد من نص المادة 202 من مدونة التجارة: ( إذا وقعت المطالبة قبل تاريخ الاستحقاق فيجب إجراء خصم من مبلغ الكمبيالة . و يحسب هذا الخصم بحسب سعر الخصم الرسمي في تاريخ وقوع الرجوع بالمكان الذي يقع فيه موطن الحامل ).
أما من حيث مسطرة الرجوع فإن الحامل خول له المشرع الاختيار بين الطريق القضائي و طريق أخر غيرالقضائي .

فأما الطريق الغير القضائي يتمثل في شكلين أساسيين وهما : الرجوع الودي الذي من خلاله يعمل الملتزم سواء كان الساحب أو المظهر أو الضامن الاحتياطي بالوفاء بالكمبيالة و بصورة حبية و إرادية تجنبا منه لنفقات اللجوء إلى القضاء التي قد تضعف الائتمان و الثقة في معاملاته التجارية على المبادرة بالوفاء . و الشكل الثاني للطريق الغير القضائي هو ما يسمى بكمبيالة الرجوع و تكون كبديل للطريق الثاني حيث أنه في أغلب الأحيان يكون الحامل في أمس الحاجة إلى المال , كما أن استيفاء مبلغ الكمبيالة عن طريق الدعوى القضائية قد يستغرق وقتا يتجاوز أجل الدين الذي بذمته لذلك أجاز له المشرع و لكل شخص يملك حق الرجوع على غيره من الملتزمين بالكمبيالة أن يستوفي قيمتها بتحرير كمبيالة جديدة بدلا من الأولى تسحب على أحد الضامنين وفق الشروط الذي حدده القانون (7).

و بالنسبة للطريق القضائي فيكون على شكلين إما بطريق الدعوى الصرفية أو دعوى مقابل الوفاء . فمن حيث إذا سلك الحامل طريق الدعوى الصرفية فإنه إذا امتنع المسحوب عليه على الوفاء يمكن للحامل أن يتقدم بدعوى إلى المحكمة التجارية المختصة التي يوجد بدائرتها موطن المدعى عليه أو التي سيقع في دائرة نفوذها الوفاء هذا مع مراعاة الاختصاص القيمي للمحاكم التجارية ذلك أن هذه الأخيرة تكون مختصة عندما تكون قيمة الأوراق التجارية تزيد عن 20000 درهم و الحال أنه إذا كانت الكمبيالة تتضمن مبلغ أقل من المبلغ السالف الذكر فإن المحكمة الابتدائية هي المختصة.

و في إطار الدعوى الصرفية يمكن للحامل سلوك مسطرة الأمر بالأداء التي نصت عليها مقتضيات الفصل 157 من ق.م.م بشرط توافر الشروط القانونية لذلك , بحيث يجب طبقا للفصل 155 أن تكون مسطرة الأمر بالأداء بشأن تأدية مبلغ مالي يتجاوز خمسة ألاف (5000) درهم , مستحق الأداء بموجب ورقة تجارية أو سند رسمي أو اعتراف بدين (8) , و قد أضاف المشرع المسطري الفصل 162 مكرر من ق.م.م بقصد تحقيق نوع من الانسجام بين تدخل رئيس المحكمة في أوامر الأداء التجارية و فلسفة القانون التجاري , بحيث تم تقرير عدم ترتيب استئناف أوامر الأداء المبنية على الأوراق التجارية و السندات الرسمية للأثر الموقف بحيث أكد على عدم إيقاف استئنافه للتنفيذ ,

و هذا فيه توافق مع مقتضيات المادة التجارية , مع إمكانية إيقاف التنفيذ جزئيا أو كليا من طرف محكمة الاستئناف بقرار معلل (9). تبقى الإشارة إلىأن الدين ينبغي أن يكون ثابتا وهو ما قررته محكمة الاستئناف التجارية في إحدى أقضيتها و هي تبت في مادة الأوراق التجارية بحيث جاء في هذا القرار رقم 764 الصادر بتاريخ2012/04/24 من أنه (لا يختص قاضي الأمر بالأداء إلا إذا كان الدين ثابتا لا نزاع فيه طبقا للمادة 155 من قانون المسطرة المدنية , و أن قاضي الأمر بالأداء عندما بت في الجوهر فإن ذلك في غير محله لوجود منازعة جدية فيه و تحتم إلغاءه و إحالة الأطراف على محكمة الموضوع تبعا للإجراءات العادية )ملف عدد 1912/11.

و إضافة إلى الدعوى الصرفية فالمشرع يخول للحامل الرجوع القضائي بموجب دعوى ملكية الوفاء و هي إمكانية من خلالها يستطيع الحامل الرجوع على الساحب الذي لم يقدم مقابل الوفاء عند أجل الاستحقاق أو ضد المسحوب عليه القابل سواء كان قد تلقى مقابل الوفاء أم لا لأن القبول هو قرينة يستطيع الحامل التمسك بها في مواجهة المسحوب عليه .بل أكثر من هذا فالحامل بإمكانه أن يوقع حجزا تحفظيا على أموال الملتزمين الرئيسيين طبقا للشروط التي تحددها المادة 208 من مدونة التجارة و المواد من 452 إلى 458 من ق.م.م .

الفقرةالثانية:رجوع الملتزمين على بعضهم البعض
بادئ ذي بدئ تجب الإشارة إلى أن أحوال رجوع الملتزمين على بعضهم البعض تختلف بحسب ما إذا كان الوفي هو الساحب أو المسحوب عليه أو أحد المظهرين .

فإذا قام بالوفاء المسحوب عليه فإنه يجب التمييز بداية بين ما إذا كان قد تلقى مقابل الوفاء من طرف الساحب من عدمه ، ففرض أنه قد تلقى مقابل الوفاء من طرف الساحب ففي هذه الحالة ينقضي الالتزام الصرفي و لا يكون له الرجوع على الساحب و لا على أحد , غير أنه إذا كان قد وفى على المكشوف فله الرجوع على الساحب بموجب دعوى الإثراء بلا سبب أو الفضالة أو دعوى الوكالة .و إذا كانت الكمبيالة مسحوبة لحساب الغير فللمسحوب عليه عليه إذا وفى الرجوع على الساحب الحقيقي دون إمكانية الرجوع على الساحب الظاهر على اعتبار أن هذا الأخير ما هو إلا مجرد وكيل على الأول .

أما إذا قام بالوفاء أحد المظهرين فله الرجوع على سائر الموقعين السابقين على الكمبيالة بمعنى أنه يجوز له الرجوع على المظهرين السابقين دون اللاحقين إضافة إلى حقه في الرجوع على الساحب و المسحوب عليه القابل و على ضامنيهم و كذا القابل بالتدخل.

و إذا قام بالوفاء الساحب فليس له الرجوع على أحد لأن وفائه بقيمة الكمبيالة يبرئ ذمة كل الموقعين بيد أنه إذا كان قد قدم مقابل الوفاء للمسحوب عليه فإنه يكون له الرجوع على هذا الأخير بدعوى ملكية مقابل ملكية مقابل الوفاء , بقصد استرداد ما دفعه له , غير أنه إذا لم يكن قد أعطى مقابل الوفاء للمسحوب عليه فليس له الرجوع على أحد .

في حين إذا قام أحد الكفلاء الصرفيين بالوفاء كالضامن أو القابل بالتدخل أو الموفي بالتدخل كان له الحق في الرجوع على الملتزم الذي كفله و على الملتزمين السابقين عليه في المرتبة لأنه يضمنونه بتوقيعاتهم .

ختاما نقول بأن المشرع التجاري المغربي وفر إلى حد ما الحماية القانونية لهذه الورقة التجارية سواء في مرحلة الإنشاء أوفي مرحلة الوفاء , و ذلك وعيا منه بأهمية الكمبيالة في الحياة التجارية و الاقتصادية و أثرها على المعاملات التجارية , ذلك أنه من بين الوظائف الحديثة للكمبيالة الائتمان على اعتبار أنها تستحق الأداء بعد مرور مدة معينة , و لن يتأتى للمشرع حماية هذا الائتمان إلا بحماية ألياته ووسائله الأساسية و التي تعتبر الكمبيالة من أهم هذه الوسائل التي لها دور بالأهمية بمكان في عالم المال و الأعمال , و لئن كانت الشكلية من أهم خصائص المعاملات المدنية , فإن الشكلية في المادة التجارية تتميز بخصوصيات خاصة تتوافق و المحيط التي تشتغل فيه بحيث تهدف إلى تحقيق السرعة و الثقة و يتضح هذا جليا في اجال التقادم و إجراءات الاحتجاج هذا الأخير الذي يعد إجراء أساسي لا غنى عنه في سبيل استيفاء مبلغ الكمبيالة في حالة الامتناع عن الوفاء , و ما قصد ذلك إلى حماية الشكلية في الأوراق التجارية (المادة 9 من مدونة التجارة) و الذي يعتبر _أي الاحتجاج _ مرحلة أولية و تمهيدية إلزامية من حيث المبدأ للشروع في إجراءات الرجوع الصرفي و استيفاء مبلغ الكمبيالة بكيفية قضائية أو غير قضائية وفق شروط قانونية بعد الامتناع عن الوفاء بها .

 

(محاماه نت)

إغلاق