دراسات قانونية

الهجرة كظاهرة أمنية في القانون الدولي (بحث قانوني)

الهجرة كمعطى أمني اجتماعي:

ضرورة أمننة الهجرة في ظل صدام الحضارات

أسماء شوفي باحثة دكتوراه- قسنطينة-03 مريم شوفي باحثة دكتوراه -الجزائر 03.

Abstract:

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

Migration is a human phenomenon that has accompanied humanity since its inception. The social nature and needs of human beings necessitated the need to move from one region to another and from one continent to another in search of stability, welfare and security. This has had negative consequences in some countries. Violence in countries receiving migrants, whether legal or illegal, because of the difference in perceptions and beliefs, which is not the view of the receiving countries, that migration is a solution to the problem of labor shortage, a problem that causes social insecurity and a clash of peoples and nations. Which led to many The purpose of this paper is to discuss the dialectic of the relationship between migration, security, socialism and the clash of civilizations, in addition to its attempt to shed light on the migration security strategy adopted by the countries European Union in the face of the phenomenon of migration to it.

Keywords: Immigration / Security / Security / Clash of Civilizations.

ملخص:

تشكل الهجرة ظاهرة بشرية صاحبت الإنسانية منذ نشأتها الأولى،حيث فرضت الطبيعة الاجتماعية للإنسان واحتياجاته ضرورة تنقله من إقليم إلى آخر،ومن قارة إلى أخرى،بحثا عن الاستقرار وتحقيق الرفاه والأمن،وهذا ما كان له تبعات سلبية في بعض الدول،حيث أدى إلى تفاقم أعمال العنف في الدول المستقبلة للمهاجرين سواء الشرعيين أو غير الشرعيين،بسبب الاختلاف في التصورات والمعتقدات،وهو ما غير نظرة الدول المستقبلة للمهاجرين،من كون الهجرة حلا لمشكلة نقص اليد العاملة،إلى كونها مشكلة تتسبب في حالة من اللا أمن الاجتماعي،وتصادم للشعوب والدول،الأمر الذي أدى بالعديد من الدول المستقبلة للمهاجرين إلى الحث على ضرورة الأخذ بالهجرة كمعطى أمني يهدد الاستقرار والأمن الاجتماعي،وعملوا على أمننة الهجرة واعتبارها تهديدا لأمنهم.لذلك تهدف هذه الورقة لمناقشة جدلية العلاقة بين الهجرة والأمن والاجتماعي وصدام الحضارات،بالإضافة إلى محاولتها تسليط الضوء على إستراتيجية أمننة الهجرة التي اتبعتها الدول الأوروبية في مواجهتها لظاهرة الهجرة إليها.

الكلمات المفتاحية:الهجرة/الأمن/الأمننة/صدام الحضارات.

مقدمة:

تحتل قضية الهجرة، مكانا بارزا في العلاقة بين البلدان المتقدمة والأخرى النامية فيها،نظرا لارتباطها بالعديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ فسوء الأحوال السياسية والاقتصادية يدفع الأفراد للهجرة من الدول النامية إلى تلك المتقدمة.

كما تشكل قضية الهجرة غير الشرعية أخطر القضايا الاجتماعية، لتي لا تزال تؤرق المجتمع الدولي،وهي مشكلة شديدة الحساسية لكونها تمس جميع شرائح المجتمع الدولي، بحيث أصبحت الظاهرة لا تقتصر على الشباب وخاصة الذكور منهم، بل ارتفع خط بيانها إلى فئة الإناث، وتعد الهجرة غير الشرعية ظاهرة عالمية موجودة في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الاتحاد الأوروبي، أو الدول النامية بآسيا كدول الخليج العربي ودول المشرق العربي، وفي أمريكا اللاتينية، وفي أفريقيا.

وهناك العديد من الدراسات والتقارير الصادرة عن هيئات ومنظمات دولية تشير إلى خطورة الهجرة غير الشرعية، وفي ذات الوقت تنامي هذه الظاهرة بصورة باتت تؤرق المجتمع الدولي،حيث يشير تقرير صدر مؤخرا عن منظمة الأمم المتحدة عن دوافع وأسباب الشباب لهذه الهجرة، إلى أن أسباب الهجرة الجماعية غير الشرعية يعود إلى ازدياد أعداد الشباب في العالم الثالث،وتناقص وتدهور فرص وأوضاع العمل، بالإضافة إلى زيادة حدة الفوارق بين الدول الغنية والفقيرة.

وتظل الهجرة غير الشرعية من المشكلات التي باتت تهدد العديد من الدول، حتى ولو تضاءلت أعداد المهاجرين غير الشرعيين على أراضيها، فنجد مثلا أن نسبة المهاجرين غير الشرعيين لا تزيد عن نسبة 4.9% من إجمالي الأيدي العاملة في الولايات المتحدة، إلا أن مشاكلهم تؤرق الأمريكيين كثيرا.

وللهجرة غير الشرعية العديد من الآثار السلبية، من بينها الآثار الأمنية والسياسية من جراء الهجرة غير الشرعية، ما يهدد سيادة الدول المستقبلة ووجودها الفعلي، كما أن للهجرة آثاراً اقتصادية خاصة لجهة دول الإرسال أكثر من دول الاستقبال، ولا يفوتنا أن نشير أيضا للآثار الاجتماعية الخطيرة المتنوعة المترتبة على الهجرة، ومن بينها حالة إدماج المهاجرين ومدى الصعوبات التي تواجهه والتكيف مع مجتمعهم الجديد في الدول المستقبلة، ويزداد الأمر تعقيدا في حالات الهجرة غير الشرعية، حيث لا يحمل المهاجر السند القانوني لوجوده في الدولة التي هاجر إليها، كما أن المجتمع ينظر إليهم على أنهم لصوص أو متطرفون، ومما يساعد على انتشار هذه النظرة الخطاب الإعلامي لهؤلاء المهاجرين خاصة في الدول الأوروبية حيث يشيع عنهم صورة سيئة تحول دون تواصلهم مع مجتمعات الدولة المستقبلة، حيث يتم الخلط بين الإجرام والهجرة والتطرف خاصة للمهاجرين من أصول عربية وإسلامية،ولذلك عملت العدد من الدول وعلى رأسها الدول الأوروبية لأمننة الهجرة وإعطاءها الطابع الأمني من خلال الخطابات،ولذلك تسعى هذه الورقة لتسليط الضوء على الإشكالية التالية:كيف يمكن أن تؤثر الهجرة باعتبارها ظاهرة أمنية على الدول المستضيفة في ظل التناقضات والاختلافات الثقافية وفي ظل فرضية صدام الحضارات؟؟

وللإجابة على هذه الإشكالية قسمت المداخلة على النحو التالي:

المحور الأول:الإطار المفاهيمي للأمننة والهجرة.
المحور الثاني:أمننة الهجرة(التحول من ظاهرة اجتماعية إلى ظاهرة أمنية)
المحور الثالث:الهجرة كمعطى أمني اجتماعي.
المحور الرابع:انعكاسات سياسة أمننة الهجرة (تأكيد نظرية صدام الحضارات والإسلاموفوبيا)

المحور الأول:الإطار المفاهيمي(الأمننة والهجرة)

قبل التطرق إلى صلب موضوع هذه المداخلة،كان لزاما علينا تناول الكلمات المفتاحية التي وردت في عنوان هذه المداخلة على النحو التالي:

أولا/-مفهوم الأمننة:

تعتبر الأمننة من المفاهيم الأساسية المتداولة بكثرة في الدراسات الأمنية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وهو ما جعل بعض المختصين يرون بأنها أصبحت نظرية مهمة في الدراسات الأمنية،ويرجع الفضل بشكل عام في بناء مفهوم نظرية الأمننة إلى مدرسة كبنهاغن للدراسات الأمنية وبشكل خاص الأستاذ أول ويفر و باري بوزان اللذان حاولا أن يعرفا الأمن أو عدم الأمن على أنه محصلة لعملية الأمننة،يتم بناؤها بشكل اجتماعي سياسي من خلال الممارسات الخطابية للفاعليين الاجتماعيين.[1]وبالتالي فعملية الأمننة الناجحة هي نتيجة لجمع بين اللغة الأمنية والمجتمع.

ويقصد منهاإخضاع جميع المواضيع والمشكلات التي تهدد الأفراد والمجتمعات والدول إلىالأمن على اعتبارها مشاكل ذات طابع أمني،وفي عام 1996قدم “اول وايفر” والذي يتبع مدرسة كوبنهاكن أفكاره حول الأمننة من خلال طرح فكرة التسييس التدريجي.

والمهم في ذلك هو تحديد من المشكلات يمكن أن تصبح مشكلة الأمنية حتى ندخل في إطارالأمننة، أنأية مشكلة أو قضية يتوجب عليها ان تمر بمراحل حتى تدخل في مفهوم الأمننة وهذه المراحل هي:

-وجود قضية لا تحمل طابع سياسي.
-جعل تلك القضية التي لا تحمل طابع سياسي ان تحمل طابع سياسي(تسييس).
-القضية المسيسة أصبحت لها وجود وهي بذلك تشكل تهديدا امنيا أي يمكن أن توسم بأنها قضية أمنيةأي دخلت ضمن مفهوم الأمننة.
-وتعتمد الأمننةعلى وجود الخطاب السياسي الذي يؤثر وبما لا يقبل الشك إلى وجود مشاكل حقيقية تم إعطاؤها الصبغة السياسية وهذا كله يعتبر من الممهدات لغرض قبول أيإجراء يمكن أن تلجأ إليه الدولة على اعتبار أنها تواجه مشاكل ذات طابع أمنى.[2]

وحدد ويفر الأمننة عبر مرحلتين:[3]

مرحلة الحركة المؤمننة:وهي تدشين خطاب بصف وتمثل موضوعا ما على أنه تهديد وجودي.
إقناع المخاطب بالحركة المؤمننة:وبالتالي ادعاء الدولة بحق خاص في اتخاذ جميع التدابير الضرورية لوقف ذلك التهديد.

ثانيا/- مفهوم الهجرة غير شرعية

1-مفهوم الهجرة:

الهجرة هي مغادرة الشخص إقليم دولته أو الدولة المقيم فيها إلى دولة أخرى بنية الإقامة بصفة دائمة أو مؤقتة،هاجر مهاجرة من البلد و عنه : خرج منه إلى بلد آخر [4]

أما في قاموس اللغة الإنجليزية أكسفورد OXFORD فتعرف الهجرة بأنها:

Immigration :is moving of people from one country to come to live in another country[5]

في قاموس اللغة الفرنسية لاروس LAROUSSE فالهجرة هي :

Immigration: n.f action d’immigrer

Immigrer: venir dans un pays pour s’y fixé dune manière temporairetemporaire ou définitive.[6]

وهي الاغتراب أو الخروج من أرض إلى أخرى أو الانتقال من أرض إلى أخرى سعيا وراء الرزق أو العلم أو العلاج أو أي منفعة أخرى،كما تعني بصفة عامة الانتقال للعيش من مكان إلى آخر مع نية البقاء في المكان الجديد لفترة طويلة.[7]وينظر للهجرة على أنها عبارة عن انتقال البشر من مكان إلى آخر سواء كان في شكل فردي أو جماعي لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية.

الهجرة غير شرعية:
هي سلسلة من الظواهر المختلفة وتشمل الأشخاص الذين يدخلون أو يظلون في دولة ليسوا من مواطنيها على خلاف ما تقتضيه القوانين الداخلية لتلتك الدولة،وتشمل المهاجرين الذين يدخلون أو يظلون في دولة دون تصريح وضحايا التجارة غير المشروعة والاتجار بالبشر وطالبي اللجوء المرفوض طلبهم والذين لا يمتثلون لأمر الأبعاد والأشخاص الذين يتحايلون على ضوابط الهجرة بزواج تم الاتفاق عليه.[8]

والهجرة غير الشرعية هي الطريقة التي يسلكها بعض الأشخاص للسفر من بلد لآخر بشكل غير قانوني أي دون أي التزام بقوانين أو أعراف البلد التي يريد المهاجر دخولها،كتأشيرة الدخول التي تسمح له بدخول هذه البلد، ويلجأ العديد من الناس إليها وذلك لعدة أسباب قد تكون أسباب قهرية،ويمكن تسمية الهجرة غير الشرعية بعدة مسميات كالهجرة السرية،وغيرالقانونية،وغير النظامية.[9]

وبالتالي يمكن التفريق بين الهجرة الشرعية والهجرة غير شرعية على أساس كون الأولى تنظمها قوانين وتحكمها تأشيرات دخول وبطاقات إقامة تمنحها السلطة المختصة بالهجرة والجوازات، بينما الهجرة غير شرعية تتم بشك قانوني دون الحصول على تأشيرات دخول أو بطاقات إقامة.

المحور الثاني:أمننة الهجرة

التحول من ظاهرة اجتماعية إلى ظاهرة أمنية

لقد كانت الهجرة عبر أقطار العالم فيما مضى وحتى أواسط القرن الماضي شيئا مرغوبا فيه، وظاهرة صحية تتبادل بموجبها المصالح والخبرات، وأيضا بناء الاقتصاد من خلال تشغيل اليد العاملة، ولم تكن موضوع اعتراض أو مراقبة من العديد من الدول حتى تلك التي كانت لديها مقتضيات قانونية تنظم اليد العاملة، وانطلاقا من النصف الثاني من القرن الماضي.

وعلى خلفية الحرب العالمية الثانية عملت أغلب دول أوروبا

الغربية لاسيما المطلة منها على حوض البحر الأبيض المتوسط على استقطاب العديد من اليد العاملة، وذلك لما كانت تعانيه في هذا المجال جراء نتائج الحرب، وأمام هذا الوضع فقد تدفق الجيل الأول من المهاجرين من مختلف الدول الإفريقية لاسيما من دول المغرب العربي نحو العديد من الدول الأوروبية، ومعتعرض الدول الصناعية الغربية بأوربا للأزمة الناجمة عن الطاقة في أواسط السبعينات طرأت معطيات جديدة تجلت في الاستغناء عن العديد من اليد العاملة، مما تكاثر معه طلب العمل من لدن مواطني تلك الدول، وهو ما دفع بالدول الغربية إلى مواجهة تدفق المهاجرين بإغلاق حدودها.[10]

ومع التوقيع على اتفاقية شنغن 1985 دخلت مرحلة جديدة في التعامل الأوروبي مع هذه الظاهرة، إذتميزت هذه المرحلة ببداية ظهور التناقضات المرتبطة بالمهاجرين الشرعيين ومزاحمتهم أبناء البلد الأصليين، وقد تزامن هذا الفعل مع إغلاق مناجم الفحم في كل من فرنسا وبلجيكا التي كانت تستوعب آنذاك أكبر عدد من المهاجرين الشرعيين

وفي مقابل هذا الوضع الاحترازي تزايدت رغبة أبناء الجنوب في الهجرة تجاه دول الشمال ماأدى إلى إغلاق الحدود، ففي 19 يونيو/حزيران 1995 و مع دخول “اتفاقية شنغن” الموقعة بين كل من فرنسا وألمانيا ولكسمبورغ وهولندا حيز التنفيذ تم السماح بموجبها بحرية تنقلال أشخاص المنتمين إلى الفضاءالأوروبي، لكن مع دخول كل من إسبانيا والبرتغال إلى هذا الفضاء اتخذت قضية الهجرة أبعادا غير متوقعة لاسيما بعد لجوء سلطات مدريد إلى فرض مزيد من الإجراءات الاحترازية أمام أي عملية هجرة جديدة،وذلك في محاولة لمنح مواطنيها مزيدامن الاندماج في الاتحادالأوروبي.[11]

وهنا نلاحظ بمجرد دخول اتفاقية شنغن حيز النفاذ في 1995 حسم الأوروبي ونموقفهم تجاه الهجرة غير الشرعية، وهذا بإضفاء الطابع الأمني عبر عملية الأمننة، لجأت من خلالها الدول الأوروبية إلى نهج سياسة أمنية صارمة عبر تنفيذ مقررات “القانون الجديد للهجرة” والذي يستند إلى

تبني إجراءات صارمة بخصوص مسألة التجمع العائلي، وإبرام اتفاقيات مع دول الجنوب حول ترحيل المهاجرين غير الشرعيين[12].

وكرد فعل يتجاه هذه السياسة بدأ ما يعرف الآن بالهجرة غير الشرعية، والت يتحيل على عملية الالتحاق بالديار الأوروبية بدون وجه قانوني.

فقد أضحت أفواج من المهاجرين تبحث عن مختلف الوسائل والسبل للالتحاق سرا بالضفةالأخرى، مما جعل الدول الغربية تنظر إلى هذه الظاهرة بمثابة تهديد لأمنها وإخلالا باقتصاده االوطني نظرال كون المهاجر السري يعمل في السوق السوداء، وهوما يمس بقواعد المنافسة الشريفة، فضلا عن المساس باستراتيجياتها التي تتجه إلى تشغيل اليد العاملة القادمة من دول أوربا الشرقية التي تندرج ضمن الاتحاد الأوروبي.[13]

وعليه فالهجرة هي من قبيل الرهان الأمني منذ أن تمت أمننتها خلال الثمانينات، حيث يعتبر المهاجرون كتهديد للهوية الوطنية المحددة ثقافيا، بينما كانت تخضع في السابق لمعالجة اقتصادية باعتبار المهاجرين كعمال مغتربين، تشكل الهجرة رهانا رئيسيا في الحوار الثقافي بين الاتحاد الأوروبي والمحيط المتوسطي، لأنها تخاطب النواة الصلبة للهوية الأوروبية، وتكشف العلاقة الإشكالية بين الإتحاد الأوروبي والآخر الأكثر قربا .وقد حدد الخطاب الأوروبي الذي قام بأمننة الهجرة، التهديدات التي تنتج عن الهجرة إلى المجتمعات الأوروبية في:[14]

إخلال بالهوية المجتمعية.
الإخلال بالبناء الديموغرافي.
الإخلال بالنواحي الأمنية.
الإخلال بالنواحي الاقتصادية.
مشاكل الأقليات.
مشاكل صحية.
مشاكل اجتماعية.
المحور الثالث: الهجرة كمعطى أمني مجتمعي

تشكل الهجرة تهديدا للأمن المجتمعي في الدول المستقبلة للمهاجرين، ونخص بالذكر هنا الدول الأوروبية، ومما عزز مخاوف هذه الدول، أن الحضارتين الغربية والشرقية تختلط بصورة فعلية وسريعة، ولأول مرة في التاريخ تتقدم البشرية، عن طريق التكنولوجيا نحو حضارة عالمية شاملة، إذأسهم التركيز العالمي على الثروة في تعميق الهوة بين الدول وشرائح المجتمع الواحد، ليس بين الطبقات فحسب، بل أيضا بين الفئات داخل نفس المجتمع، وبين الفصائل والأفراد داخل الفئة الواحدة. وسنحاول في هذا المحور تسليط الضوء على أهم الآثار المترتبة على الهجرة على الأمن المجتمعي:

أولا/-الهجرة السرّية تغير التركيبة العددية والقومية للمجتمع:

إنّ عدد هؤلاء المهاجرين غير الشّرعيين والمهاجرين بصفة عامة هي أعلى من نسب إنجاب السكان المحليين، وهذا ما يجعل أوروبا مكانا لقوميات عديدة، ونتيجة لذلك يتكون مجتمع جديد هو مزيج من القوميات، بحيث يتراوح عدد المهاجرين غير الشّرعيين في أوروبا حسب معطيات مشروع Clandistino 1.9مليون إلى 3.8 مليون مهاجر في سنة 2008 .[15] وحسب إحصائيات الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود FRONTEX بلغ عدد الداخلين بصفة غيرشرعية إلى إيطاليا حوالي 56000 في عام 2011، أغلبهم جاؤوا من تونس إذ بلغ ذروة عددهم 14000 تونسي في شهر مارس 2011 وصلوا إلى لامبيدوزا، بلغ عددهم من ليبيا 25000 مهاجر غير شرعي في شهر أفريل إلى أوت، ويقيم حوالي 10000 مهاجر غير شرعي تونسي في فرنسا[16]، بالإضافة إلى السياسة الانتقائية الّتي تعتمد عليها مجتمعات المقصد والمعتمدة على انتقاء ذوي الخبرات العالية، وهذا ما يعد من أول الآثار الاجتماعية للهجرة غير الشرعية.

ثانيا/-الهجرة السرّية تهدّد هوية الفرد وهوية الجماعة:

نظرا للأعداد الكبيرة من المهاجرين السرّيين في الدول والمجتمعات، أصبح هذا الأمر تهديدا لهوية الفرد والجماعة؛ بسبب تأثيرها على الهويّة اللغوية والعرقية والثقافية والدّينية للمجتمع والفرد، من جراء الأنماط الحياتية الجديدة، والتناقضات في السّلوكيات الاجتماعية، مما يجلب الاستقرار الاجتماعي، ويعيد تشكيل الهويّة الجماعية والفردية.[17]

ثالثا/- الهجرة السرّية وإشكالية الانتماء والمواطنة:

إنّ معاناة المهاجرين السرّيين من ظاهرة الاغتراب في المجتمع الجديد، بسبب عدم شعورهم بالولاء والانتماء، يتسبب في زعزعة استقرار المجتمع نتيجة العزلة النفسية والاجتماعية الّتي تقود المهاجرين إلى الجريمة والانحراف[18]، وأيضا بسبب عدم تمكينهم من حقوقهم الإنسانية حتى ولوتحصلوا على الجنسية فإنّ مواطنتهم تكون إما منقوصة أو مزدوجة نتيجة للانتماء المشتت بين بلدين.

رابعا/- الهجرة السرّية والصراعات العرقية:

إنّ الهجرة غير السرّية تتصل بها تهديدات ثقافية عادة ماتكون تتمحورحول مسألة الاختلاف والقدرة على قبول للمجموعات الوافدة من قبل المجتمعات المضيفة لهم؛ وهذا غالبا مايكون له علاقة بمدى التقارب العرقي[19]، بحيث كلما زاد نطاق الفرق الخارجي في اللغة أو الدّين أو الممارسات الثّقافية بين البلد المضيف ومجتمعات المهاجرين، كلما أتسع نطاق عدم الثّقة وسوء الفهم والعداء المتبادل، وهذا هو الحال بالنسبة لمجموعات كبيرة من المهاجرين من غير البيض في بريطانيا من عرقيات مثل: العرب والصينيين – خاصة بعد 11سبتمبر، ولكن هذا لايخفي قدرة بعض الدول مثل: كندا على التّخفيف من حدّة الفسيفساء الثّقافية عند الاستجابة لبعض مطالب المجموعات العرقية مثل تعليم الطلاب الصينيين من قبل المعلمين الصينيين، والجالية المسلمة عندما طالبت بالخروج من النظام القضائي الكندي لصالح الشريعة الإسلامية.[20]

فالولايات المتحدة الأمريكية تعاني من التهديد الثقافي اللغوي بسبب انتشار اللغة الإسبانية فيها نظرا لكثرة المهاجرين المكسيكيين بحيث فشلت في التخفيف من عدد المتكلمين للغة الإسبانية؛ والذي يقدر أنهم سيكونون أكبر أقلية بحلول 2050 مما يشكّل ربع السكان، وكما تواجه القارة الأوروبية مشكلة أسلمة القارةالعجوز.[21]

المحور الرابع: انعكاسات سياسة أمننة الهجرة

(تأكيد نظرية صدام الحضارات والإسلاموفوبيا)

تقوم نظرية صدام الحضارات على الاختلافات الثقافية الموجودة بين مختلف الشعوب والثقافات، وتزداد حدة الصدام بين الثقافات عندما يترسخ في ذهن البعض فكرة سمو ثقافتهم على ثقافة الآخرين.

ساهمت سياسة أمننة الهجرة في تعزيز مثل هذا الطرح،حيث ينظر للهجرة على أنها تأتي بأشخاص من ثقافات دونية مختلفة،ترفض الاندماج بالمفهوم الغربي،فباتت المجتمعات الأوروبية تنظر لصدام الحضارات على أنه ينتج بفعل شعور المهاجر بالعجز والإحباط في مجتمع لا يتكلم لغته ولا يتفهم ثقافته،بل وأكثر من ذلك يحاول إدماجه بالقوة من خلال إجباره على اعتناق ثقافة المجتمع المستقبل،فأصبح هذا المفهوم الخاطئ الأساس الذي تقوم عليه السياسات الأوروبية للهجرة.ففي فرنسا مثلا،أصبحت الإشكاليات المتعلقة بالهجرة والمهاجرين،أكثر حضورا منذ وصول الرئيس نيكولا ساركوزي إلى الرئاسة الفرنسية،وهي تعكس في الواقع،إيمانه الشديد بنظريات “اليمين الجديد” وقناعاته حول أثر الاختلافات العرقية،وضرورة حامية الثقافة الوطنية،ومنعها من الاختلاط بمختلف أشكال الثقافات الأجنبية الأخرى،أو ما يسمى بـ”نظرية الاختلاف“.[22]

وفي السياق نفسه كتب الباحث والصحفي ” الفرنسي دانيال فيرني على صفحات موقع “سلات” الإخباري “عندما قول لنا وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان بأنه وخلافًا لليساريين الـذي يتبنى فكرة أن لكل ثقافة قيمها ومعتقداتها،التي لا يجب أن تقارن بأخرى، فهو ومن معه من نخبة اليمين الحاكم يؤمن بأن الحضارات لا تتساوى” ،وقد فسر عامل الأنرثوبولوجيا كاليرفو أوبـيرغ الذي كان أول من استخدم مصطلح الصدمة الثقافية،بأن الصدمة الثقافية تحدث بسبب القلق الناجم عن فقدان المرجعيات والرموز المألوفة لدينا في التفاعل الاجتماعي.[23]

كما أنا من الظواهر السلبية والتي تؤكد طرح فرضية أن أمننة الهجرة ساهمت في بروز صدام الحضارات،زيادة حدة فكرة الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام،لاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر،وبداية ما يسمى بالحرب على الإرهاب،حيث أصبحت ظاهرة الإسلاموفوبيا واقعا معاشا في الغرب وأوروبا بخاصة،ليس فقط من خلال منظومة القوانين التي تنتهك حقوق المسلمين،بل تتعدى نحو الخطاب السياسي والإعلامي السائد،حيث أصبح مقبولا ومشروعا انتقاد المجموعات المسلمة من المهاجرين في الغرب تحت غطاء القيم الليبرالية.[24]

لقد زادت سياسة أمننة الهجرة في نشوء ظاهرة الخوف المرضي غير المبرر من الإسلام والمسلمين، الذين يشكلون غالبية المهاجرين،وترجع الإسلاموفوبيا وفق تقرير المرصد الأوروبي لظواهر العنصرية والخوف من الأجانب،إلى الأسباب التالية:[25]

نقص المعرفة القاعدية حول الإسلام والمسلمين.
الخطاب المعتم في وسائل الإعلام خطابا وصورة.
انخراط بعض الدول الأوروبية في الحرب على الإرهاب.
غياب التفاعل على المستوى الشخصي بين المسلمين وغير المسلمين.

فالعداء الموجه للمسلمين المهاجرين إلى أوروبا،لا يرجع لرفض العقيدة الإسلامية في حد ذاتها،بل لمختلف الآثار السلبية التي تم الترويج لها وزرعها في العقول الغربية،وهي ما تعتمد عليها الدول الأوروبية من اجل تنفيذ سياسة أمننة الهجرة،عن أن وجود الأفراد المسلين في المجتمعات الأوروبية يؤدي إلى العديد من الآثار غير المرغوب فيها على المجتمعات الأوروبية،على غرار المشاكل الاقتصادية،التعدد الإثني،بروز الآفات الاجتماعية وغيرها.

خاتمة:

في الأخير يمكن القول بأن الهجرة قد تحولت من ظاهرة اجتماعية إنسانية مرحب بها،إلى ظاهرة أمنية تتخوف منها الدول المستقبلة للمهاجرين سواء الشرعيين أو غير الشرعيين،تبعا لمصالح وأهداف تلك الدول،ومن المتوقع وفي ظل أمننة الهجرة أن يتحول اتجاه الهجرة من الشمال إلى الجنوب،كما أن القول بأن الهجرة تهدد الأمن الاجتماعي لدول المستقبلة،وقد تؤدي إلى تصادم بين مختلف الحضارات الموجودة في تلك المجتمعات،على الرغم من أنها حقيقة،لكنها حقيقة تم تضخيمها بفعل الخطابات السياسية.

 

(محاماه نت)

إغلاق