دراسات قانونية

دور مجلس المنافسة في الحد من الممارسات غير المشروعة (بحث قانوني)

دور مجلس المنافسة في الحد من الممارسات غير المشروعة

اعداد الطالبات الباحثات:
مريم بن رقية
سميرة بازران
مليكة ملوك

اشراف:
الدكتورة حليمة بنحفو

الماستر المتخصص: المقاولة والقانون

كلية الحقوق أكادير

مقدمة:

شهدت الأنظمة المعاصرة تطورات همت عدة مجالات منها مجال التشريع و ذلك مواكبة منها لخياراتها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و غيرها، التي لا تخرج عن نطاق ثقافة اقتصادية دولية تبنى على المنافسة و تشجيع المبادرة الحرة، و ذلك بالارتكاز على مبادئ تكافؤ الفرص واعتبار السوق و المستهلك حكما بين المتنافسين.

مما جعل المشرع المغربي لا يخرج هو الاخر عن هذا النطاق و ذلك بتبنيه لقانون رقم 06.99[1] المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة والمرسوم رقم 854-00-2 الصادر بتاريخ 17 دجنبر 2000 لتطبيق قانون 99-06، و هذا الأخير يخص بالتنظيم علاقات المقاولات داخل السوق ،مانعا بذلك الممارسات التي من شأنها الحد من حرية المنافسة و بالأخص المنافسة غير المشروعة، و فارضا المراقبة على بعض التصرفات و السلوكات التي يمكن أن تشهدها السوق و مضيفا إلى الأجهزة التقليدية الناشطة في هذا المجال جهازا جديدا يطلق عليه اسم مجلس المنافسة.

وهكذا تضمنت المواد من 14 إلى 46 من قانون حرية الأسعار و المنافسة كيفية تنظيم هذا المجلس و مسطرة عمله و الاختصاصات المسندة إليه في مجال تحديد الأحكام المطبقة لحماية المنافسة قصد تنشيط الفاعلية الاقتصادية .[2]
وتتجلى أهمية مجلس المنافسة كعنصر مفترض فيه الفعالية في الحد من الممارسات الغير المشروعة باعتباره جهاز ضبط مكلف بالسهر على حماية النظام الاقتصادي، و على تطبيق مبادئ و أحكام قانون المنافسة في قطاعات النشاط المالي و الاقتصادي.[3]

كما يسعى المجلس جاهدا لضمان الشفافية و النزاهة في العلاقات التجارية، بالاضافة إلى أن مشرع قانون حرية الأسعار و المنافسة يعول كثيرا على هذا المجلس لكونه جهازا مشرفا على تنفيذ سياسة المنافسة و طمأنة مختلف الفاعلين الاقتصاديين ،و لاسيما إذا ساهم و نجح في تحقيق دوره في رصد اليات للتعامل مع الممارسات المنافية لقواعد المنافسة.

و تكمن أيضا الأهمية العملية لهذا الموضوع في كون رصدنا لدور مجلس المنافسة في الحد من الممارسات غير مشروعة سوف يبين أن استحداث هذا الجهاز من شأنه تدعيم دور الحكامة سواء في المؤسسات العامة أو الخاصة، بالاضافة إلى أن سعي مجلس المنافسة في الحد من هذه الممارسات سوف يساهم في تطوير المصالح الاقتصادية و الاجتماعية للدولة و كذلك للأفراد.

ولعل الموضوع يفرض علينا صياغة الاشكالية التالية:
إلى أي حد يستطيع مجلس المنافسة كجهاز ذو طبيعة خاصة السيطرة على مختلف الممارسات غير مشروعة؟
و لإجابتنا على هذه الاشكالية سنعتمد على منهج وصفي تحليلي، وعلى تصميم ارتأينا تقسيمه على الشكل التالي:

المبحث الأول: مظاهر الممارسات غير المشروعة
المبحث الثاني: مجالات عمل مجلس المنافسة في الممارسات غير المشروعة

المبحث الأول: مظاهر الممارسات غير المشروعة

يسعى التجار الى حماية تجارتهم من المنافسة و لو كانت مشروعة عن طريق ابرام اتفاقات بينهم أو استعمال وسائل تضعهم في موقع متميز في السوق يمكنهم من التحكم أو التأثير في المنافسة، ويمكننا أن نصنف هذه الوسائل الى اتفاقات تستهدف منع المنافسة أصلا ( المطلب الأول) و ممارسات تستهدف التحكم وتقييد مجريات المنافسة (المطلب الثاني)

المطلب الأول: الممارسات المنافية لقواعد المنافسة

تتمثل الممارسات المنافية لقواعد المنافسة بالأساس في الاتفاقات التي يمكن أن يتم إبرامها بين المقاولات وذلك بهدف منع المنافسة، و ما يعرف بالاستغلال التعسفي للوضع المهيمن في السوق.

الفقرة الأولى: الاتفاقات المنافية لقواعد المنافسة

حدد المشرع احدى المبادئ الأساسية وهو مبدأ منع الاتفاقات المنافية لقواعد المنافسة في المادة السادسة من قانون حرية الأسعار والمنافسة[4] الذي يعد تصرفا اقتصاديا ينافي قواعد المنافسة بغض النظر عن الاسم أو الشكل القانوني الذي يمكن أن يتخده[5]، غير أن المشرع المغربي لم يحدد تعريف هذه الاتفاقات المنافية لقواعد المنافسة، تاركا الأمر للفقه الذي حاول وضع تعريف لهذا النوع من الاتفاقات فاعتبرها ” تعاون أو تآزر بين الارادات قصد تقييد المنافسة” وهناك البعض الأخر اعتبرها ” تواطؤ بين الارادات قصد عرقلة المنافسة”[6] ومن خلال هذا التعريف يمكن ابراز شروط محظورية التحالفات المنافية لقواعد المنافسة المتمثلة في وجود تواطؤ بين الارادات وعرقلة المنافسة والاعتداء على السوق.

أولا: وجود تواطؤ بين الارادات

يعتبر التواطؤ هو: “كل اشكال التعاقدات والاتفاقات الي تهدف أو ينتج عنها افساد لعبة المنافسة، أإما عبر التوافق حول الأثمان أو حول الأسواق أو الزبناء”[7].
كما أن التعبير عن عرقلة المنافسة بارادة منفردة لايكفي لنشوء التواطؤ في الوقت الذي يعتبر فيه هذا الأخير بمثابة تآزر وتعاون للارادات إذ من اللازم وجود ارادتين أو أكثر وليس فقط إرادة واحدة[8].
وإن التعاون والتواطؤ في إطار هذه الاتفاقات يتم عادة بين المقاولات – رغم أن النصوص لا تشير لذلك صراحة- غير أن الاشكال يثار حول مدى امكانية اعتبار الاتفاق منافيا لقواعد المنافسة الحالة التي يصدر فيها الايجاب من قبل المقاولة في شكل اقتراح على مقاولة أخرى قصد تقييد المنافسة قبل صدور الموافقة من قبل المقاولة الثانية.

بالرجوع الى الممارسة في فرنسا بالخصوص نجد أن لجنة المنافسة[9] نجد أنها قد اعتبرت أن مجرد اقتراح مقاولة على أخرى توقيع اتفاق يتضمن تقييد المنافسة لا يشكل في حد ذاته جريمة مادام هذا الاقتراح لم يحظ بالقبول من قبل المقاولة الاخرى[10]

ثانيا: عرقلة المنافسة والاعتداء على السوق

يقصد بعرقلة المنافسة و الاعتداء على السوق، القيام بتصرفات يكون الغرض منها مخالفة قواعد المنافسة ومنافاتها[11]، فبالرجوع الى الفقرة الأولى من المادة السادسة من قانون حرية الاسعار والمنافسة نجدها تنص صراحة على الاتفاقات أو التحالفات “تحظر الأعمال المدبرة أو الاتفاقيات أو الاتفاقات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية كيفما كان شكلها وأيا كان سببها، عندما يكون الغرض منها أو يمكن أن تترتب عليها عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها في سوق ما”، وبناء عليه يشترط ضرورة توافر علاقة سببية بين الاتفاق المبرم وعرقلة سير المنافسة والا أصبح تدخل السلطات المختصة لمنع هذا الاتفاق غير مبرر[12].
تعتبر عرقلة المنافسة خلاصة للأثار عن اختيار ابرام اتفاقات وعقود منافية لقواعد المنافسة، والتي حددها مشرع قانون حرية الاسعار واالمنافسة المغربي على سبيل المثال لا الحصرفيما يلي:

الحد من دخول السوق أو من الممارسة الحرة للمنافسة من لدن منشآت أخرى.
عرقلة تكوين الأسعار عن طريق الآليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها أو انخفاضها.
حصر أو مراقبة الإنتاج أو الاستثمارات أو التقدم التقني.
تقسيم الأسواق أو مصادر التموين.
ولعل خطورة هذه الآثار المترتبة عن الاتفاقات المنافية لقواعد المنافسة هي التي دفعت بالمشرع المغربي و باقي التشريعات الأخرى الى منع ابرامها و فرض محظوريتها.

الفقرة الثانية: الاستغلال التعسفي لوضع مهيمن في السوق

منعت المادة السابعة من قانون حرية الأسعار و المنافسة “قيام منشأة أو مجموعة منشآت بالاستغلال التعسفي:
لوضع مهيمن في السوق الداخلية أو جزء مهم من هذه السوق؛
لحالة تبعية اقتصادية يوجد فيها زبون أو ممون وليس لديه حل مواز.
وذلك عندما يكون الغرض منه أو يمكن أن تترتب عليه عرقلة المنافسة أو الحد منها أو تحريف سيرها…”

والمقصود بالوضع المهيمن هو التواجد في موقع قوة اقتصادية في قطاع أو سوق بأكمله، يسمح بالتحكم فيه، وفرض توجه معين على باقي المنافسين على مستوى الأثمان، أو كميات الإنتاج أو شروط التعاقد أو غير ذلك من الممارسات التي تجسد المقدرة على الافلات من ضغوط السوق، حيث يشكل الاستغلال التعسفي لحالة تبعية اقتصادية وجها آخر للهيمنة الاقتصادية منبعها كذلك التواجد في موقع قوة يسمح بفرض شروط التعاقد على الآخر من منطلق افتقاد هذا الأخير لحل بديل وليس التواجد في وضع مهيمن هو الذي يشكل إخلالا بالمنافسة بل استغلال ذلك الوضع بشكل تعسفي[13]، وهذا ما نصت عليه المادة السابعة من قانون حرية الأسعار و المنافسة، حيث يلاحظ أن المشرع اكتفى باعطاء بعض الأمثلة عن صور التعسف الذي يمكن أن ينتج من التواجد في موقع هيمنة اقتصادية في السوق، مما يطرح لمجلس المنافسة في هذا الشأن، فإننا نعتقد أن القضاء غير مؤهل للتعامل مع هذا المشكل[14].

المطلب الثاني: الممارسات المقيدة للمنافسة

إذا كانت الممارسات المنافية لقواعد المنافسة من شأنها أن تِؤدي الى إبطال المنافسة إما بصفة مطلقة أو في جزء منها، فإن الممارسات المقيدة قد لا تؤدي الى الإضرار بالمسار التنافسي لكن دون أن تقوم بابطالها أو الغاءها نظرا لما تتضمنه من احترام لقواعد الشرعية التجارية،[15] ومن بين هذه الممارسات التي تؤدي الى تقييد المنافسة تلك التدابير المتخدة لحماية المستهلكين وضمان الشفافية في العلاقات التجارية بين المهنيين.

الفقرة الأولى: حماية المستهلكين واعلامهم

لقد ألزم قانون 06.99 كل الباعة ومقدمي الخدمات باعلان الاسعار والشروط الخاصة بالبيع أو لانجاز الخدمة من أجل إعلام المستهلك و تمكينه من مقارنة مختلف العروض بسهولة، ومن أجل ترسيخ قواعد الشفافية بين المهنيين والمستهلكين، فإلزامية الاعلان عن الأسعار تشمل جميع المنتجات والخدمات كيفما كانت نوعيتها سواء كانت تسوق من قبل المنتجين أو المستوردين أو كل مهني يبيع منتجاته للمستهلك.
إن هاجس حماية المستهلكين بل “تحسين رفاهيته” كان حاضرا بقوة في هذا القانون و هو ما تمت بلورته من خلال مقتضيات خاصة تجعل من الإعلام و التبصر التزاما عاما ينبغي التقييد به في جميع العقود الاستهلاكية ·
وبالفعل يعد إعلام المستهلك أمرا ضروريا لكي يتمكن من اختيار البضائع و الخدمات وفقا للشروط التي تناسبه و يساهم في تطوير المنافسة في ذات الوقت لذا يسميه بعض الفقه التزاما ايجابيا بالتعاون مع المتعاقد الأخر وذلك من خلال إحاطته علما بكافة تفاصيل العقد المراد إبرامه ·

و ينصب الإعلام وفقا للفصل 47 من قانون 99/06 على نوعين من المعلومات حول الثمن من جهة أولى و حول الشروط الخاصة بالبيع أو انجاز الخدمة من جهة أخرى ، وعلى الرغم مما منحه هذا القانون من اهتمام خاص بمجال حماية المستهلك ودرء المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها فانه لا يمكن بأي حال من الأحوال تحقق الحماية الفعلية للمستهلك ببضع مواد محدودة مدرجة في قانون توجهه بالأساس تامين تحرير الأسعار والمنافسة من جهة ويضاف إلى ذلك كون المجالات التي تستلزم الحماية أصبحت اليوم متعددة ومتشبعة بالنظر إلى التطورات التي تعيشها المعاملات التجارية الأمر الذي يجعل التركيز على مجال الأسعار مسالة يمكن تجاوزها إذا ما قورنت بمجالات تعد أكثر أهمية كما هو الشأن بالنسبة لمجال الجودة
وتجدر الاشارة الى أن أحكام المادة 47 من قانون حرية الأسعار والمنافسة لا تنص إلا على لفظ “منتوج” وبالتالي فإن بيع العقارات و الاصول التجارية لا يخضع لإلتزام الإعلان عن الأسعار باعتبارها ممتلكات[16].

ويهدف مبدأ الإعلان عن الأسعار الى حماية المستهلك من كل مفاجأة تتعلق بالمبلغ الإجمالي الذي يستوجب عليه أداؤه لإقتناء منتوج أو للإستفادة من خدمة من جهة، والى تفادي كل تمييز عن طريق الأسعار من جهة ثانية[17].
ويعد الإعلام بثمن البيع من أهم الإلتزامات التي ينبغي على المهني أن يفي بها لكونها تعتبر شرطا ضروريا لتحقيق الشفافية في السوق، وما لذلك من أثر على السير العادي للمنافسة الحرة[18].

وتجدر الإشارة الى أن المشرع قد سبق و أن تناول مسألة اشهار الأثمان بمقتضى القانون الصادر في 12 أكتوبر 1971، وكما حدد المرسوم التطبيقي ل23 دجنبر 1971 الطريقة الواجب اتباعها في عملية الإشهار[19] ، حيث أكد الفصل 18 منه على أن يتم الاعلان عن الثمن لزوما بالعملة الوطنية وأن يتوخى الوضوح في عملية الإعلان حتى يتمكن الجمهور من التعرف عليها دون عناء كما تتم مراعاة الأعراف التجارية، أما بالنسبة لبيوع الأسواق فقد حدد لها طريقة خاصة في عملية الإعلان على الثمن.[20]

الفقرة الثانية: الشفافية في العلاقات التجارية بين المهنيين

لقد حاول المشرع تقنينها و ضبطها من اجل خلق الشفافية والنزاهة في التعامل بين المهنيين وبالتالي الرفع من المعاملات الاقتصادية وعلى سبيل المثال فالالتزام بتسليم فاتورة يلعب دورا مهما في المجال الاقتصادي فهي وسيلة أساسية في إثبات البيوعات وحماية المستهلكين من الزيادة غير المشروعة في الأثمان كما أن دورها يبرز واضحا في ميدان المحاسبة و المراقبة الضريبية بالإضافة إلى ما تعكسه من شفافية في المعاملات التجارية فهي تمكن الإدارة من مراقبة مدى احترام الشروط الأساسية للبيع و فحص كل عمليات البيع واحترام آجال الأداء ·

إن الشفافية في العلاقات التجارية بين المهنيين تفرض أن تحرر فاتورة عن كل شراء لسلعة أو تقديم خدمة يجب أن تكون في نظيرين وأن تكون مرقمة ومسحوبة من سلسلة متصلة، أو أن تطبع بنظام معلوماتي وفق سلسلة متصلة مع الإشارة الى أرقام التسجيل في السجل التجاري ومبلغ رأس مال الشركة وعنوان المقر الاجتماعي ورقم التعريف الضريبي ورقم القيد في الضريبة المهنية، وأسماء الأطراف أو عناوينهم التجارية وتاريخ بيع المنتوج أو تقديم الخدمة وإن اقتضى الحال تاريخ التسليم مع تسمية كمية المنتجات أو الخدمات وتحديد سعر الوحدة من السلع المبيعة أو الخدمات وتحديد سعر الوحدة من السلع المبيعة أو الخدمات المقدمة دون اعتبار الرسوم أو باعتبارها، وعند الإقتضاء التخفيضات الممنوحة ومبلغها المقدر وقت البيع أو تقديم الخدمة وإن اقتضى الحال تاريخ التسليم مع تسمية كمية المنتجات أو الخدمات وتحديد سعر الوحدة من السلع المبيعة أو الخدمات المقدمة دون اعتبار الرسوم حيث يمنع منعا كليا تسليم فاتورات تتضمن بيانات غير صحيحة فيما يتعلق بأسعار المنتجات المبيعة أو الخدمات المقدمة.[21]

وتعتبر الممارسات التي قد تؤدي الى الاخلال بمبدأ الشفافية بين المهنيين متعددة، من بينها تلك المتعلقة بالممارسات التمييزية حيث يمنع اقامة التفرقة بين الشركاء الاقتصاديين ومنح شروط تفضيلية للبعض مما قد يؤدي الى الاضرار ببقية الأطراف المتعاملين داخل السوق[22]، وكذلك هو الشأن بالنسبة لرفض البيع وتقييده حيث تمنع هذه الممارسات على المهنيين سواء في علاقتهم بغيرهم من المهنيين أو في علاقتهم بالمستهلكين.

المبحث الثاني: مجالات عمل مجلس المنافسة في الممارسات غير المشروعة

يضطلع مجلس المنافسة بالاضافة الى مهمة توقيع الجزاءات عن الممارسات التي من شأنها أن تمس بقواعد المنافسة، أوكل له دور استشاري حيث يمكن له أن يبدي برأيه أمام العديد من الجهات فيما يتعلق بمجال المنافسة، وفي هذا الاطار نميز بين ما يعد من قبيل الاستشارات الالزامية من جهة (المطلب الأول)، والاستشارات الاختيارية من جهة ثانية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الاستشارة الالزامية

يمكن اعتبار الحالات التي تكون فيها الاستشارة الزامية عندما تكون بطلب من الحكومة حول مشروع قانون أو نص تنظيمي يتعلق بالمنافسة أو حول الاعفاء من الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، كما قد تكون هذه الاستشارة بشأن عمليات التركيز الاقتصادي.

الفقرة الأولى: استتشارة المجلس من قبل الحكومة

تقوم الحكومة باستشارة مجلس المنافسة بخصوص مقتضيات تشريعية أو تنظيمية فبالرغم من أن رأي المجلس يعد الزاميا غير أنه يمكن الأخد به أو لا، وذلك في الحالات التالية:
عندما تقدم الحكومة على تحديد الأسعار وتنظيمها استثناء من مبدأ حرية الاسعار المنصوص عليها في المادة 2 من قانون حرية الاسعار و المنافسة، وذلك فيما يتعلق بالقطاعات أو المناطق الجغرافية التي تكون فيها المنافسة بالاسعار محدودة اما بسبب حالات احتكار قانوني أو فعلي، وإما بفعل صعوبات دائمة في التموين، واما نتيجة أحكام تشريعية أو تنظيمية[23].

عندما تقبل الحكومة على تقديم مشروع قانون تنظيمي يهدف الى احداث نظام جديد بشأن قانون المنافسة أو الى تغيير نظام قائم سلفا، وقد حددت المادة 16 من قانون حرية الاسعار والمنافسة، بعض الأهداف التي يتوخاها تغيير الحكومة المتمثلة في فرض قيود كمية على ممارسة مهنة أو الدخول الى السوق، ثم اقامة احتكارات أو حقوق استشارية أو خاصة في التراب المغربي أو في جزء مهم منه، بالاضافة الى فرض ممارسات موحدة فيما يتعلق بأسعار أو شروط البيع، وكذلك منح إعانات من الدولة أو الجماعات المحلية[24].
ففي هذه الحالات التي تكون فيها استشارة المجلس من قبل الحكومة الزامية يتم نشر الآراء التي تصدر عن المجلس ملحقة بالنصوص المتعلقة بها.

كما يمكن أن تتعلق هذه الاستشارة بالاستثناء الوارد على قاعدة منع الممارسات المنافية لقواعد المنافسة خاصة ما يتعلق بالاتفاقات أو التحالفات الصريحة أو الضمنية المنصوص عليها في المادة 6 من قانون حرية الاسعار والمنافسة[25]، حيث يجوز للادارة بعد استطلاع رأي مجلس المنافسة أن يسمح بانشاء بعض أصناف الاتفاقات خصوصا إذا كانت تهدف الى تحصين تسيير المنشآت الصغرى أو المتوسطة أو تسويق الفلاحين لمنتوجاتهم[26]، وتجدر الاشارة هنا أنه خلافا للحالة السابقة، تكون استشارة المجلس الزامية وفي نفس الوقت يكون رأيه ملزما للإدارة في هذه الحالة[27].

الفقرة الثانية: استشارة مجلس المنافسة حول عمليات التركيز الاقتصادي

حسب ما يستفاد من المادة 10 من قانون حرية الأسعار و المنافسة[28]، فإن كل عملية تركيز أو مشروع تركيز من شأنه أن يمس بالمنافسة ولاسيما خلق أو تعزيز وضع مهيمن يجب أن يعرض على مجلس المنافسة من قبل الوزير الأول، وذلك كلما تجاوز عدد البيوع أو الشراءات أو المعاملات المنجزة من قبل المنشآت محل عقد التركيز في سوق وطنية للسلع أو المنتوجات أو الخدمات من نفس النوع أو القابلة للإستبدال أو في جزء مهم من السوق المذكورة خلال السنة المدنية السابقة نسبة محددة في %40. فبالنظر الى مدى مساهمة عملية التركيز الاقتصادي في التقدم الاقتصادي يصدر مجلس المنافسة رأيه بشأن العملية المعروضة عليه، على اثره يتخد الوزير الأول- سابقا- قرارا معللا يأملر فيه المنشآت داخل أجل معين.
إما بعدم إنجاز مشروع التركيز أو بإعادة إقرار الوضعية القانونية السابقة.
وإما بتغيير أو تتميم العملية أو باتخاد كل تدبير كفيل بضمان أو إقرار منافسة كافية[29].

وفي حالة الاستغلال التعسفي لوضع مهيمن أجازت المادة 45 من قانون حرية الأسعار و المنافسة يقترح مجلس المنافسة قرارا معللا يأمر فيه المنشأة المعينة بالقيام داخل أجل عين بتغيير أو تتميم أو فسخ جميع الاتفاقات وجميع العقود التي تم بموجبها تركيز القوة الاقتصادية التي مكنت من التعسف.

المطلب الثاني: الاستشارات الاختيارية

تكون استشارة المجلس بشكل اختياري في حالة استشارته من قبل الحكومة واللجان البرلمانية والمجموعات الحضرية والمنظمات المهنية، وكذلك في حالة استشارته من قبل المحاكم

الفقرة الأولى: الاستشارة من قبل الحكومة واللجان البرلمانية والمجموعات الحضرية والمنظمات المهنية

يمكن حسب المادة 15 من قانون حرية الأسعار والمنافسة أن يستشار مجلس المنافسة من قبل اللجان البرلمانية الدائمة حول مقترحات القوانين التي تتعلق بالمنافسة خارج الحالات الاجبارية التي تطرقنا اليها[30].
كما يمكن أن يستشار أيضا اختيارا من قبل مجالس الجهات والمجموعات الحضرية، وغرف التجارة والصناعة والخدمات وغرف الصناعة التقليدية وغرف الصيد البحري، والمنظمات النقابية والمهنية أو جمعيات المستهلكين المعلن عنها أنها ذات منفعة عامة في كل مسألة مبدئية تتعلق بالمنافسة وذلك في حدود المصالح المنوطة بها.

وجدير بالذكر ان المشرع المغربي اقتصر على قبول الطلبات الرامية الى استشارته بشأن النظام العام للمنافسة، وبالتالي أقصى كل الطلبات التي ترمي الى الحصول عل معلومات بشأن مقاولة معينة بالاسم أو التي ترمي الى فحص مدى مشروعية نص تشريعي أو تفسيره، كما رفض الطلبات الرامية الى الحصول على رأي المجلس بشأن الحلول التي يتوصل اليها الجتهاد القضائي في شكل تقييم للأحكام القضائية التي تصدر عن الجهاز القضائي[31].

الفقرة الثانية: الاستشارة من قبل المحاكم المختصة

حسب ما يستفاد من من الفقرة الرابعة من المادة 15 من قانون حرية الاسعار والمنافسة، فإنه يمكن أن يستشار مجلس المنافسة اختياريا من قبل المحكمة المختصة في الممارسات المنافية لقواعد المنافسة المحددة في المادتين 6 و7 والمثارة بشأن القضايا المعروضة أمامها، سواء تعلق الأمر أيضا بدعوى الالغاء أو بدعوى المسؤولية أو بالمتابعات الجنائية.[32]
حيث تحظى الاستشارة التي تقوم بها المحاكم عموما لمجلس المنافسة بأهمية بالغة نظرا لما يقوم به المجلس من تزويد المحاكم بالمعلومات حول المعطيات الاقتصادية وتقدير وضعية المنافسة داخل السوق، والبحث عن وسائل اثبات الممارسات المنافية لقواعد المنافسة مما يساعد في الأخير على الأخد بيد المقاولة ضحية هذه الممارسات نظرا لعجزها عن اثبات ذلك[33].
وعلى ضوء ما تقدم تتضح اهمية التنظيم الذي خص به المشرع مجلس المنافسة وذلك قصد تمكينه من القيام بعدد من المهام الموكولة له ،مما يدل على أهمية هذا الجهاز وما يلعبه من دور بارز في تنفيد قانون المنافسة من جهة، وضبط أخلاقيات السوق التنافسية من جهة أخرى.

خاتمة

و خلاصة لما قيل و بعد أن اتضحت لنا الصورة حول مجلس المنافسة و دوره في الحد من الممارسات غير المشروعة، برصد تكوينه و تنظيمه أولا ثم أنواع الممارسات غير المشروعة، و التي تطرقنا من خلالها إلى الاتفاقات و القواعد المنافية للمنافسة،و الممارسات المقيدة لها. مع ابراز الاختصاصات الموكولة لهذا المجلس.
إلا أن عمل مجلس المنافسة ليس عملا قانونيا صرفا يرتبط بتحديد المفاهيم والسهر على حسن تطبيق قانون المنافسة بل يجب أن يكون مجلس خبراء اقتصاديين لأنه يحتاج إلى التوفر على رؤية اقتصادية شاملة للاقتصاد الوطني، وإلى معرفة تامة بأحوال الأسواق الكبرى ووضعية مختلف قطاعات الانتاج والتوزيع، فغرض تطبيق قواعد المنافسة تطبيقا سليما يحتاج إلى ربط ما هو قانوني بما هو اقتصادي.

كما أن اختصاصات مجلس المنافسة لا تتعدى بصريح النص نطاق إبداء الرأي أو الاستشارة أو التوصية و هذا لا يمكنه من المساهمة بشكل فعال في تحقيق أهداف قانون 99-06 التي ترمي إلى تحديد الأحكام المطبقة على حرية الأسعار،و إلى تنظيم المنافسة الحرة و تحديد قواعد حمايتها.
ولذلك نقترح بضرورة تحيين قواعد القانون المنظم لمجلس المنافسة و لم لا الرقي به كدرجة قضائية،و تخويله إمكانية إصدار أحكام بمعناها الفني و إضفاء صفة الالزامية على توصياته، و حتى يحقق مجلس المنافسة أهدافه الاقتصادية و الاجتماعية فلا بد له من التفكير في الانتقال من دوره الاستشاري إلى الدور التقريري على غرار باقي مجالس المنافسة لبعض الدول، و أن تمنح له سلطة العقاب لأن طابعه الاستشاري الحالي لا يتناسب و المهام المفترض أن يضطلع بها و من أهمها الزجر و فرض عقوبات على المتورطين في الممارسات المنافية لقواعد المنافسة .و هذا ما تم العمل عليه في بلادنا و ذلك بإصدار مشروع قانون من أجل تعديل قانون 06.99 المتعلق بحرية الاسعار والمنافسة حتى يتلاءم مع الأهداف المتوخاة من احداثه، إلا أنه لازال مشروع لم يخرج بعد إلى حيز التطبيق لعدم المصادقة عليه.

 

(محاماه نت)

إغلاق