دراسات قانونية

الأعمال التجارية على وجه الاحتراف – المشروع التجاري (بحث قانوني)

تستلزم هذه الأعمال وقوع العمل بناء على تنظيم مهيأ مسبقاً ، بعبارة أخرى هي تلك الأعمال التي يباشرها الشخص بصورة متكررة بحيث تصبح حرفة معتادة ويحدد المشرع بعض هذه الأعمال من خلال نص المادة الخامسة من قانون التجارة وكما يلي :

1. توريد البضائع والخدمات .

2. استيراد البضائع أو تصديرها وأعمال مكاتب الاستيراد والتصدير .

3. الصناعة وعمليات استخراج المواد الأولية .

4. النشر والطباعة والتصوير والإعلان .

5. مقاولات البناء والترميم والهدم والصيانة .

6. خدمات مكاتب السياحة والفنادق والمطاعم ودور السينما والملاعب ودور العرض المختلفة الأخرى .

7. البيع في محلات المزاد العلني .

8. نقل الأشياء أو الاشخاص .

9. شحن البضائع او تفريغها أو إخراجها .

10. استيداع البضائع في المستودعات العامة .

11. التعهد بتوفير متطلبات الحفلات وغيرها من المناسبات الاجتماعية .

12. عمليات المصارف .

13. التأمين .

14. الوكالة التجارية والوكالة بالعمولة والوكالة بالنقل والدلالة وأعمال الوساطة التجارية الأخرى .

ونعرض بالتتابع لكل عمل من هذه الأعمال .

أولاً : توريد البضائع والخدمات (1) Emtreprise de Fournitures

التوريد عقد يلتزم بموجبه شخص بتجهيز شخص آخر ببعض الأموال المنقولة على دفعات متتابعة خلال لفترة زمنية معينة لقاء ثمن أو أجرة متفق عليها حسبما إذا كان تسليم الأموال على سبيل البيع أو الإجارة – الاستعمال – ومثال ذلك التعهد بتوريد مقدار معين من الأغذية على المستشفيات أو الملاجئ أو توريد الملابس والوقود للسفن والطائرات ووسائل النقل الأخرى . فالتوريد يفترض من جانب المتعهد المورد القيام بسلسلة من عمليات تسليم أموال وبضائع ليست لديه ساعة العقد وإنما يلتزم بالحصول عليها وتوريدها فيما بعد . ولا يهم في عملية التعهد بالتوريد صفة المتعهد الذي يمكن أن يكون من أشخاص القانون الخاص كالأفراد والشركات أو من أشخاص القانون العام أي الدولة ومؤسساتها . ويذهب بعض الفقه (2) الى أن التوريد لا يمكن اعتباره تجارياً إلا اذا كان المتعهد قد قام بعملية شراء الأموال التي تعهد بتوريدها . أي أن الشراء شرط أساسي لتجارية التوريد بانتفائه يعدُّ عملاً مدنياً . ويستند هذا الرأي على تبرير مفاده أن التوريد ليس في حقيقته إلا شراء بقصد البيع . وكل ما هنالك أن البيع او الوعد بالبيع يحصل بالتوريد قبل الشراء بينما يرى بعض أخر من الاجتهاد الفقهي (3). بأن التوريد يعد تجارياً سواء كان هناك شراء للأموال الموردة أم لم يكن هناك شراء لهذه الأموال لأن اشتراط الشراء يحول عملية التوريد الى عملية شراء منقول لأجل البيع ويجعل من النص القانوني زيادة لا ضرورة لها . والواقع من الأمر أن التوريد عبارة عن عمليات بيع متعاقبة ، بيد أنه يأخذ شكلاً خاصاً له أحكامه وأسسه تميزه عن البيع بصورته العادية هذا الى أن ربط تجارية التوريد بعملية الشراء يخرج أعمال المنتج الأول من نطاق التجارية وهو أمر يلائم توجه المشرع بهذا الخصوص ومع ذلك فإننا نرى بأن نص الفقرة الثانية من المادة الخامسة جاء مطلقاً والمطلق يجري على إطلاقه فلا ضرورة والحالة هذا إذن اشتراط الشراء لتجارية التوريد على أن يستثنى من ذلك بالطبع التوريد ، الذي يقع بصورة منفردة . وترتيباً على ذلك يعد مدنياً توريد المزارع لمحاصيلة أو لجزء منها إذا وقع لمرة واحدة ، إذ لا نكون في هذه الحالة أمام مشروع احتراف التوريد . ولكن لو تكررت عملية التوريد وقام المزارع بتوريد إنتاج في فترات منتظمة فإننا نكون عندئذ أمام مشروع توريد يخضع لأحكام قانون التجارة . أما توريد الخدمات فيتمثل حسب تقديرنا بالتوريد الصناعي كتوزيع المياه والكهرباء والغاز وخدمات التليفون وغيرها . ويخضع هذا التوريد لنفس الأحكام السابق .

ثانياً : استيراد البضائع أو تصديرها وأعمال مكاتب الاستيراد والتصدير (4) Entreprise d،importion et d،exportation … etc …

استيراد البضائع أو تصديرها هي المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها التجارة الخارجية والتجارة الدولية عموماً . فلا يمكن تصور التبادل التجاري الخارجي أو الدولي دون عمليات استيراد البضائع أو تصديرها . وتقوم هذه التجارة على سوق عالمية كبيرة وعلى التفاوت الدولي في نوعية الإنتاج وكميته (5) . واستيراد البضائع أو تصديرها يندرج ضمن البيوع الدولية . إذ إن كل استيراد هو في الواقع شراء وكل تصدير هو بيع والعكس صحيح بالنسبة للطرف الآخر وهذه الأعمال لا تتم في صيغة مشروع فلا يمكن في الحقيقة تصور عملية استيراد أو تصدير منفرد اللهم إلا إذا كانت للأغراض الخاصة ، بل إن هذه الأعمال تقع عموماً بشكل محترف من قبل القائم بها . سواء كان شخصاً طبيعياً أم معنوياً ولابد من التنويه الى أن القيام بعمليات الاستيراد والتصدير لا يمكن أن تتم إلا بعد الحصول على إجازة سابقة من الجهات المختصة إضافة لذلك فإن القائم بهذه الأعمال يكتسب الصفة التجارية ويصبح بحكم القانون تاجراً . ويضاف الى هذه الأعمال أعمال أخرى ترتبط بها هي أعمال مكاتب الإستيراد والتصدير Buraux d affairess . وهذه المكاتب تقدم خدماتها لقاء عوض وأجرة وتتمثل هذه الخدمات بالمشورة عن أماكن الإنتاج واستهلاك السلع والبضائع ومستوى أسعارها في الدول المختلفة وغير ذلك من الأعمال التي تقتضيها عمليات استيراد وتصدير البضائع وتقوم تجارية هذه الأعمال على فكرة التوسط بقصد تحقيق الربح .

ثالثاً : الصناعة وعمليات استخراج المواد الأولية (6) . Enttreprise de manufactures et exploitations minieres

يقصد بالصناعة تحويل المواد الأولية الى سلع تامة الصنع أو سلع نصف مصنعة لقضاء حاجة الفرد المستهلك كتحويل الحديد الخام الى صلب صناعة أو الرمل الى أسمنت أو تحويل القطن الى نسيج وأقمشة وقد يشتري من يباشر الصناعة المواد لغرض تحويلها أو إدخال التعديلات عليها ” في الهيئة أو الغرض الذي خصصت من أجله ” ثم يقوم ببيعها بعد ذلك . وتذهب بعض الاجتهادات الفقهية الى اعتبار هذه الحالة من الحالات التي لا تدخل ضمن مفهوم الصناعة وأنما ضمن مفهوم شراء المنقول لأجل البيع (7) بيد أنه لا يمكن التعويل . حسب تصورنا على هذا الرأي بقدر تعلق الأمر بالتشريع العراقي . لأن الشرع عندنا لم يتميز بين صور الصناعة المختلفة فقد جاء النص القانوني مطلقاً بهذا الخصوص بحيث يستحيل معه إجراء تفرقه بين صورة وأخرى من صور الصناعة لذا فالصناعة يجب أن تعد عملاً تجارياً سواء اشترى المتعهد بالصنع المواد التي يتولى صنعها أو كانت هذه المواد تقدم من قبل الأخرين ومع ذلك فإنه يجب التفريق بين من يمارس الصناعة في نطاق محدود وبين من يمارسها على قدر من الأهمية بحيث تتجلى في صورة مشروع يخضع لنوع من التنظيم المهني . إذ قد يقع أن يزاول الشخص العمل بمفرده اعتماداً على جهده الذاتي وجهد بعض الأفراد كمن يقوم بالصياغة أو الخياطة أو الحدادة أو صناعة أحذية وغيرها . فلا يعتبر عمل هؤلاء تجارياً يدخل في إطار الصناعة بل عمل مدني لأنه بيع إنتاج ومهارة يقوم به من يطلق عليهم بالحرفين Artisans أو ذوي الحرف البسيطة . عليه فإن مدلول الصناعة يكمن حضره بفرضيتين :-

الأولى : إدخال تعديل معين على المادة يرفع من قيمتها أو يزيد من استخداماتها كورش إصلاح السيارات وورش اصلاح الآلات الكهربائية وورش إصلاح الأجهزة الدقيقة وغير ذلك .

الثانية : من يجرى تغييراً صناعياً جوهرياً على المادة الأولية سواء حصل عليها المشروع بطريق الشراء أو قدمها من عنده أو قدمت له من الغير كصناعة التعدين التي تنصب على تحويل الحديد الخام الى صلب وفولاذ وما يتبع ذلك من صناعات مشتقة أو صناعة تكرير النفط وما يستخرج منه من مشتقات أخرى

وهذه الفريضة تقودنا للتعرض للنشاط الصناعي المقترن بالزراعة . الأصل هنا أن هذا النشاط يعتبر مدنياً إذا كان مكملاً للإنتاج الزراعي ومزاولاً بطريقة عريضة تستخدم فيه وسائل قليلة الأهمية ولكن إذا باشر المزارع الصناعة التحويلية من خلال مشروع مستقل لتعليب الفواكه التي تنتجها مزرعته مثلاً ، أو مصنعاً لإنتاج الألبان أو السكر من البنجر الذي تنتجه أرضه فإنه يقوم عندئذ بنشاط صناعي يدخل في حكم الفقرة الرابعة من المادة الخامسة من قانون التجارة .

بمعنى أن نشاطه بهذه الصورة يعد تجارياً وليس مدنياً (8) . أما عمليات استخراج المواد الأولية فهي تلك العمليات التي تتم باستعمال وسائل مهمة ورؤوس أموال ضخمة وأيدي عامله كثيرة ولا يمكن أن يقوم بهذه الأعمال إلا شركات متخصصة في هذا المجال وبعد استحصال امتياز وموافقة خاصة . إلا أنه يجب النظر لغرض تكييف هذه الأعمال تجارياً لا الى استخراج هذه المواد بحد ذاتها وإنما على الوسائل والإمكانات التي تقود الى الحصول على هذه الثروات .

رابعاً : للنشر والطباعة والتصوير والإعلان (9) :-

Entrprises d، edition، d، imprimerie. De photographie et de publicite : تنصب جميع هذه الأعمال على عرض النتاج الذهني أو الفني للأفراد على الجمهور . فالناشر أو دور النشر تقوم بشراء حقوق التأليف والإنتاج الأدبي أو العلمي من الغير وعرضه بعد ذلك على الجمهور . فهناك إذن عملية توسط في تداول الأموال بقصد تحقيق ربح مادي أما الطباعة والتصوير فهي شكل من أشكال الصناعة إذ تقوم على إدخال تغيير على المادة بصورة معينة وتظهر فيها بنفس الوقت فكرة المضاربة على قوة العمل والآلة وشراء المواد الأولية اللازمة لمباشرة العمل واعتبار الإعلان عملاً تجارياً متأتي من أن عملية الإعلان تهدف الى تنشيط تداول الثروة عن طريق تعريف الجمهور بأنواع الإنتاج المختلفة وما يجره هذا التعريف من زيادة في تصريف البضائع والإقبال عليها من قبل الجمهور .

خامساً : مقاولات البناء والترميم والهدم والصيانة (10) :

Entreises de reparation.de construction، dedemolission et de construction. وتشمل هذه الفقرة جميع التعهدات المتعلقة بالعقار وأياً كان الغرض منها . فيعد تجارياً التعهد بإنشاء العقار سواء كان الانتماء لتحقيق غرض خاص ، كإنشاء المباني للسكن وما إليها من الممتلكات العقارية التي تعود للأفراد أو كان ويلحق بعمليات الإنشاء عمليات الترميم والهدم والصيانة للأموال العقارية ولا تتم هذه الأعمال في الواقع إلا من خلال مشروع تجاري واحتراف للعمل . ولا يشترط لإضفاء سمة التجارية على هذه الأعمال أن يتولى المقاول بنفسه تقديم مواد العمل اللازمة لهذه المقاولات . فعمل المقاول يعد تجارياً سواء قدم مواد العمل أو اقتصر عمله على تقديم الأيدي العاملة فقط . ففي كلتا الحالتين يضارب المقاول إما على مواد العمل أو على عمل العمال الذين يستخدمهم لهذا الغرض .

سادساً : خدمات مكاتب السياحة والفنادق والمطاعم ودور السينما والملاعب ودور العرض المختلفة الأخرى (11).

Entreprises de spectacles public، Entreprises hoteilerie Cinema، restaurants … etc

تقوم مكاتب السياحة بتسهيل مهمة الأفراد وتقديم الخدمات لهم . وتعتبر أعمال هذه المكاتب تجارية بغض النظر عن طبيعة العمل الذي تقوم به ، فقد يكون مدنياً أو تجارياً ، وفي الحالتين تتحقق الصفة التجارية للخدمات التي تؤديها هذه المكاتب لعملائها ويرى البعض أن تجارية هذه الأعمال أساسها الضرورة والاعتبارات العملية المتمثلة في حماية من يتعامل مع هذه المكاتب كي يأمن عبثها بالثقة التي يوليها لها (12) . وعلى أية حال فإنه كان من المحبذ حسب تقديرنا أن توحد أعمال هذه المكاتب مع أعمال مكاتب الاستيراد والتصدير والواردة في الفقرة الثالثة من المادة الخامسة ، ومع أعمال التعهد بتوفير متطلبات الحفلات الواردة في الفقرة الثانية عشرة من المادة الخامسة أيضاً لأن هذه الأعمال المختلفة شكلاً متحدة موضوعاً لأنها تقوم جميعاً على مفهوم تقديم الخدمات للغير لقاء أخر تتقاضاه وتدخل جميعها ضمن مفهوم مكاتب الأعمال Bureeaux d affaires أما اعمال الفنادق ودور السينما والملاعب فهي أعمال تنصب على ترفيه وتسلية الجمهور لقاء عوض مالي . ويمكن أن يضاف الى أعمال هذه المحلات أعمال كل مؤسسة أخرى أعدت لتسلية الجمهور . فنص الفقرة السابعة يبيح القياس صراحة على الأعمال التي وردت فيه إذ يقول النص المذكور : ” دور العرض المختلفة الأخرى ” . عليه نرى بأن أعمال المسارح ومدن الألعاب وحدائق الحيوان والسيرك والمقاهي وأماكن الترفيه الأخرى المعدة لتقديم مثل هذه الخدمات لقاء عوض ومقابل هي أعمال تجارية بطريق القياس . وتجدر الإشارة هنا الى أن جميع أعمال هذه المحلات تتضمن فكرة المضاربة على خدمات الأشخاص وعملهم وتنطوي على شراء بقصد البيع (13) .

سابعاً : البيع في محلات المزاد العلني :

Entreprise de Ventes aI، encan،

تنص الفقرة الثامنة من المادة الخامسة على تجارية أعمال محال البيع في المزاد العلني . ويجري في هذه المحلات ، وهي صالات متخصصة للعرض والبيع ، بيع الأموال المنقولة بطريقة المنادات والمزايدة العلنية .

وتعد أعمال هذه الصالات تجارية بصرف النظر عن صفة البائع او المشتري وعن طبيعة الصفقة التي تم ابرامها فيها . إذ أن الذي يحدد تجارية أعمال هذه المحلات هو مزاولة هذه الأعمال على وجه الاحتراف وبصيغة المشروع التجاري . لذا لا تعد تجارية أعمال المزايدات العلنية التي تقوم بها بعض الدوائر الرسمية على أموال تملكها أو تقوم بالإشراف على بيعها ، كما في تصفية بعض التركات أو التنفيذ على اموال المدينيين أو بيع الأموال المهربة التي تصادرها الجمارك أو تلك المودعة في مخازنها في حالة عدم تقدم أصحابها لاستلامها أو دفع المبالغ المطلوبة عليها . فالمزايدة التي تحصل في مثل هذه الفرضيات تعد من الأعمال المدنية ، لأنها لا تقع إلا بصورة عرضية وغير منتظمة (14) . ولابد من الإشارة هنا الى أنه كان بإمكان المشرع تماماً إدراج أعمال هذه المحلات ضمن أعمال مكاتب الأعمال وترويج الأشغال إذ ليس هناك ضرورة في الواقع في تخصيص فقرة مستقلة قائمة بذاتها لأعمال هذه المحلات ، سيما وان المشرع لم يفرد لها في قانون التجارة أحكاماً خاصة بها ضمن أحكام العقود التجارية . كما فعل قانون التجارة الملغي رقم 149 لسنة 1970 .

ثامناً : نقل الأشياء أو الأشخاص (15) . Entreprise de transport des choses ou des Personnes

النقل هو تغيير مكان الأشياء أو الأشخاص . ويخضع لنقل القانون ويعتبر النقل تجارياً أيا كانت صفة القائم به ، أي سواء كان من أشخاص القانون العام كالدولة والمؤسسات العامة ، او من اشخاص القانون الخاص كالأفراد والشركات الخاصة . ولا يعد النقل بالنسبة للشاحن أو المسافر تجارياً إلا إذا كان يتصل بالنشاط التجاري ، أما بالنسبة للناقل فهو تجاري في جميع الأحوال واختلف الرأي حول تجارية بعض أنواع النقل ، كنقل الأثاث والأمتعة على اعتبار أنه التزام ثانوي بالنسبة لالتزامات الناقل وكذلك بخصوص نقل الجنائز بيد أن الرأي الراجح هو أن هذه الصور من النقل تجارية كصور النقل الأخرى (16).

تاسعاً : شحن البضائع أو تفريغها أو إخراجها (17) . Entreprise de chargement et de dechargement

تدخل هذه الأعمال في اطار النقل . والمقصود بالشحن هو وضع الأشياء المراد نقلها في الأماكن الخاصة بها في واسطة النقل . أما التفريغ فهو إنزال البضائع وإخراجها من واسطة النقل لتسليمها للجهة المرسلة إليها . وتتم هذه الأعمال بصيغة الاحتراف وتعتبر تجارية أياً كانت صفة القائم بها .

عاشراً : استيداع البضائع في المستودعات العامة (18) Entreprise de Magasins generaux

عمليات الاستيداع تتم في مستودعات تسمى بالمستودعات العامة . وتتولى هذه المستودعات خزن وحفظ الأموال المنقولة من سلع وبضائع بصورة حيازة مادية لفترة زمنية مؤقتة قصيرة أو طويلة حسب مقتضى الحال . وحفظ هذه الأموال هو حفظ قانوني ، أي أنه لا يمكن للمستودع العام التصرف في الأموال أو نقل حيازتها إلا لمن له الحق ” القانوني ” فيها وبمقتضى أحكام القانون . وليست المستودعات العامة سوى محلات للودائع تعد الأموال المودعة فيها ” وديعة ” بمقتضى عقد تجاري هو عقد الاستيداع (19) ، الذي يتضمن جملة التزامات يتخذ بعضها صيغة ضمانات المودع ويكون الإيداع لقاء أجرة وتصدر عند الإيداع وثائق معينة تمثل البضائع المودعة وهي شهادة الإيداع (20) Recepisse التي تتضمن تفصيلات معينة وافية عن الأموال المنقولة بخصوص : وزنها ، قيمتها ، وصفها وكميتها إضافة الى بيانات تتعلق بشخص المودع : اسمه ، مهنته ، موطنه … إلخ . وبيانات عن المستودع الذي تم فيه الإيداع اسم المستودع واسم الجهة المؤمنة على البضاعة إن وجدت وبيان ما إذا كانت الرسوم والضرائب المستحقة على البضاعة قد أديت (21) . ويرفق بهذه الوثيقة وثيقة أخرى تسمى بوثيقة الرهن Warrant وتشمل هذه الوثيقة على نفس البيانات المذكورة في شهادة الإيداع (22) وبإمكان المودع وعن طريق هذه الوثائق أن يجري على الاموال المودعة تصرفات قانونية من بيع أو رهن لهذه الأموال من خلال تظهير تلك الوثائق للغير (23) إذ إن هذه الوثائق بالإضافة الى كونها وسائل إثبات وائتمان فإنها تعتبر كذلك سندات ملكية ورهن للبضائع والأموال المودعة (24) .

والأمثلة على المستودعات العامة كثيرة منها مستودعات المحاصيل وسايلوات الحبوب ومخازن الإيداع في المواني ومخازن إيداع الأثاث بيد أنه يجب أن يلاحظ بأنه لا يعتبر من المستودعات العامة المحلات التي تودع فيها البضائع دون أن تعطي لقاءها شهادات إيداع أو وثائق رهن (25). وقد تناول المشرع العراقي موضوع الاستيداع في المستودعات العامة ضمن العقود التجارية في الفرع الثاني من الفصل الأول من الباب الرابع من قانون التجارة ومن المادة 202 ولغاية المادة 216 ، وتعرف المادة 202 الإيداع بأنه : ” عقد يتعهد بمقتضاه المودع لديه شخصاً طبيعاً كان أو معنوياً بتسليم بضائع وحفظها لحساب المودع أو لمن تؤول إليه ملكيتها أو حيازتها بمقتضى السندات التي تمثلها ” وتعالج بقية المواد التزامات أطراف العلاقة القانونية وما يترتب عليها من آثار . إحدى عشر : التعهد بتوفير متطلبات الحفلات وغيرها من المناسبات الاجتماعية (26). تنصب هذه الأعمال على (تسهيل مهمة الأفراد وتتولاها مكاتب خاصة تأخذ على عاتقها توفير المستلزمات الضرورية للمناسبات والحفلات التي تقام من قبل أشخاص القانون الخاص كحفلات الأفراد وأشخاص القانون العام كالحفلات التي تقام بمناسبة المؤتمرات أو المناسبات الوطنية المختلفة . فلا تمييز بهذا الخصوص حول طبيعة المناسبة أو صفتها . وتطبيقاً لذلك يعتبر التعهد بتوفير تلك المتطلبات تجارياً ولو كان التعهد قد تم لتأدية خدمة مدنية . من جانب آخر فإن هذه الأعمال لا تتم إلا على سبيل الاحتراف فمن يتولى التعهد بتقديم تلك الخدمات إنما يقوم بذلك لقاء عوض ومقابل ويضارب على العمل وبيع الجهد والخبرة الشخصية . ولابد من الإشارة الى أن اصطلاح التعهد بتوفير متطلبات الحفلات وغيرها . الذي ورد في النص القانوني اصطلاح واسع مطاط يشمل كل ما يستجد بهذا الصدد من متطلبات وغيرها من الأعمال التي تتضمن فكرة المضاربة او التوسط لغرض القيام بها ودون اعتبار لطبيعتها . وربما قصد المشرع ذلك بصعوبة تحديد تلك المتطلبات وصورها .

حادي عشر : عمليات المصارف (27) : Operations de banques

تؤلف هذه العمليات مجموعة كبيرة مختلفة من الأعمال ارتباطاً بالنشاط الواسع للمؤسسات المصرفية . ويقصد بهذه الأعمال جميع العمليات التي ترد على النقود أو الأوراق المالية والتجارية والائتمان .

والقائم بهذه الأعمال إنما يتوسط في تداول الثروة ويبغي من وراء ذلك تحقيق مردود إيجابي – ربح – (28) وتتم عمليات المصارف من قبل مؤسسات صيرفيه متخصصة وتعد أعمالها تجارية سواء كانت تلك المؤسسات خاصة تعود للأفراد أم عامة من ضمن مؤسسات القطاع العام ، وبغض النظر عن صفة المتعامل (29) ومن عمليات المصارف ما يلي : –

عمليات الصرف change Le ويقصد بالصرف مبادلة النقد بالنقد ومثاله أن يستبدل شخص نقوداً من عملة معينة بنقود من علمة أخرى ، كاستبدال النقد الوطني بنقد أجنبي أو استبدال النقود الذهبية بأخرى فضية أو من أي معدن آخر .

والصرف أما يدوي أو صرف مسحوب . والصرف اليدوي change Manuel أو كما يسمى أيضاً بالصرف المحلي هو تغيير النقد في ذات المكان نظير عمولة معينة ويحصل عن طريق المناولة اليدوية كمن يستبدل العملة العراقية بعملة أجنبية مباشرة في المصارف . أما المصارف المسحوب change tire فهو الصرف الذي يتم بتسليم النقد على أن يقدم ما يقابله نقوداً أجنبية في بند آخر لقاء عمولة معينة . وينفذ هذا الصرف من خلال شيك مسحوب أو رسالة اعتماد ” خطاب موجه ” أو حوالة مصرفية . ولا تعتبر عملية الصرف تجارية إذا حصلت مجاناً بدون مقابل . وتقوم المصارف بعمليات الإقراض بفائدة وبعمليات إيداع النقود وتعتبر عمليات إيداع النقد من أهم العمليات المصرفية وهذه العملية عبارة عن ” عقد يخول بمقتضاه المصرف تملك النقود المودعة فيه والتصرف فيها بما يتفق ونشاطه المهني مع التزامه برد مثلها للمودع (30) . وتتلقى البنوك الأوراق المالية من أسهم وسندات لحفظها أو لفتح حساب بها يطلق عليه حساب الصكوك Compte des tires وبمقتضى هذه العملية يلتزم المصرف بالمحافظة على الأوراق المالية المودعة لديه وعدم أستعمالها بدون موافقة المودع وردها إليه بعينها عندما يطلب منه ذلك . وللمصارف دور مهم في عمليات الائتمان إذ تمنح الائتمان عن طريق فتح الحسابات الجارية Les comptes Courants وتقديم القروض بدون ضمان شخصي أو عيني . وتقدم هذا الائتمان أيضاً عن طريق الخصم escompte L، الذي يتعهد المصرف بمقتضاه بأن يدفع قبل موعد الاستحقاق قيمة الورقة التجارية مقابل نقل ملكيتها إليه لقاء اقتطاع عمولة معينة . ويتمثل ائتمان المصارف كذلك في منح العميل خطاب الضمان Lettre de garantie الذي يسهل للعميل وسيلة الاشتراك في تنفيذ المشاريع العامة التي تعلن عنها الدولة أو الشركات وتشترط عند الإعلان عنها ، على من يرغب بالإشتراك في تنفيذ العمل تقديم تأمين نقدي لضمان حسن تنفيذ العمل في الموعد المحدد وقد يتعذر على البعض تقديم ذلك التأمين فيلجأ الى أحد المصارف الذي يصدر بناء على طلبه خطاب ضمان بدفع مبلغ معين خلال مدة معينة بمجرد الطلب . كذلك تقوم المؤسسات المصرفية بتقديم خدمات للجمهور تتمثل في تأجير الخزائن الحديدية Location des coffres مقابل أجرة معينة . وتأجير الخزائن الحديدية عبارة عن ” عقد يتعهد المصرف بمقتضاه مقابل أجرة بوضع خزانة معينة تحت تصرف المستأجر للانتفاع بها مدة معينة (31) وتقوم البنوك العامة بتقديم خدمات من نوع خاص كإصدار أوراق النقد ” البنكنوت ” كما هو الأمر بالنسبة للبنك المركزي العراقي مثلاً . وقد عالج قانون التجارة العراقي مختلف أعمال المصارف وحسب أهميتها ، وذلك في فصل خاص هو الفصل الثاني من الباب الرابع ومن المادة 239 ولغاية المادة 293 . وتعتبر جميع أعمال المصارف التي ذكرها المشرع والتي لم يشر إليها تجارية على وجه الاحتراف بالنسبة للمصرف . أما من جانب العميل فإن العمل قد يكون تجارياً أو مدنياً . فيكون تجارياً إذا تعلق بعروض التجارة وإلا فإنه مدني وفي هذه الحالة يعتبر العمل تجارياً مختلطاً أو من جانب واحد ويخضع حسب تقديرنا لأحكام قانون التجارة رغم أنه تجاري من جانب المؤسسة التجارية فقط (32) .

ثاني عشر : التأمين : Entreprise d assurance

تقرر الفقرة الرابعة عشرة من المادة الخامسة تجارية التأمين . وقد اضفى المشرع الصفة التجارية على التأمين متى وقع بصيغة مشروع تجاري منظم فنياً والتأمين عملية ضمان Operation de garantie الى جانب كونه تصرفا قانونياً لم يظهر حسب رأي البعض إلا في نهاية القرون الوسطى حيث عرف بصيغة تغطية المخاطر البحرية نتيجة لتطور النشاط التجاري البحري (33) بينما تذهب بعض الاجتهادات الفقهية الأخرى الى أن التأمين لم يدخل إطار التعامل القانوني إلا منذ القرن الثاني عشر في ميدان التجارة البحرية (34) ثم تطور بعد ذلك بصورة متلاحقة فظهر ومنذ نهاية النصف الأول للقرن السادس عشر التأمين البري كنظام متكامل ارتبط بمعطيات التقدم الصناعي والتكنولوجي وما أفرزته هذه المعطيات من مخاطر جديدة وليس من المبالغة بشيء القول بأن التأمين أصبح في الواقع المعاصر حاجة Necessiteتستلزمها مختلف أوجه حياة الأفراد والمجتمع بسبب تنوع المخاطر التي تواجه في الحياة اليومية سواء أكانت تلك المخاطر ناتجة من أسباب لا دخل لإرادة الأفراد في وقوعها أو تلك التي تقع بتدخل من هذه الإرادة . وأياً كان الأمر ، فإن أغلب الاجتهادات الفقهية تميز بصدد تقرير تجارية التامين بين التأمين بقسط ثابت Assurance a Primefixe وبين التأمين التبادلي L،assurance (35) . ويقصد بالتأمين بقسط ثابت ، تعهد شخص يسمى بالمؤمن Assureur بأن يؤدي الى شخص أخر يسمى بالمؤمن له Assure مبلغاً من المال عند تحقق الخطر المؤمن منه في مقابل قسط التأمين Prime الذي يدفعه المؤمن له للمؤمن (36) . ويعتبر هذا الضرب من التأمين تجارياً لأنه يقع بصورة مشروع يستند على فكرة التوسط بقصد تحقيق الربح . أما التأمين التبادلي فهو اتفاق Convention يتم بين مجموعة من الأشخاص يتعرضون لخطر معين متشابه بقصد تغطية الأضرار الناجمة عن تحقق هذا الخطر إذا لحق أحدهم وذلك من خلال المساهمة المالية المدفوعة من قبل كل منهم لصندوق يتكون لهذا العرض . ويعتبر التأمين التبادلي من حيث المبدأ عملاً مدنياً لأنه عبارة عن تعاون مشترك تنعدم فيه فكرة التوسط والمضاربة بقصد الربح ولذلك لا يعد هذا النوع من التأمين عملاً تجارياً (37). ومع ذلك ، فإنه يجب حسب تقديرنا أن لا يؤخذ هذا الرأي على إطلاقه . صحيح أن التأمين التبادلي ينعدم فيه التوسط والمضاربة وأن العضو فيه يجمع بين صفتي المؤمن والمؤمن له إلا أنه يجب ملاحظة حالة التأمين التبادلي الذي يتم بين مجموعة من التجار ولمتطلبات النشاط التجاري الذي يمارسونه ففي مثل هذه الحالة فإن التأمين التبادلي يعد عملاً تجارياً على أساس نظرية التجارية بالتبعية . من جانب آخر وكما يذهب الأستاذ العريني فإن نسبة الأقساط التي تؤدي في التأمين التبادلي ارتفع حالياً بحيث أصبح ثابتاً يصل للحد الأعلى المعين للأقساط مقدماً ” وفي جميع الفروض ” ، بحيث أصبح التأمين التبادلي يقترب في شكله من التأمين بقسط ثابت ولا يفرق بينهما إلا لغرض من كل منهما (38) مما يضفي عليه بالتالي الصفة التجارية . ويعتبر المشرع العراقي وكما يبدو من صيغة الفقرة الرابعة عشرة من المادة الخامسة التأمين بكافة أنواعه عملاً تجارياً إذ أن النص المذكور مطلقاً لا يميز بين نوع وآخر من أنواع التأمين .

ثالث عشر : الوكالة التجارية والوكالة بالعمولة والوكالة بالنقل والدلالة واعمال الوساطة التجارية الأخرى (39) . Entreprise de commission et operation de courtage… etc.

يطلق على هذه الأعمال بأعمال التوسط ، أو مشاريع التوسط ويقصد بالوكالة التجارية عموماً قيام الفرد بإجراء المعاملات التجارية باسم ولحساب الغير (الموكل) وتعرف الفقرة الأولى من المادة الثالثة من قانون تنظم الوكالة والوساطة التجارية رقم 11 لسنة 1983 الوكالة التجارية بأنها : ” كل عمل تجاري يقوم به في العراق شخص بصفة وكيل عن شخص طبيعي أو معنوي سواء كانت وكالة تجارية أو وكالة بالعمولة أو تمثيلاً …. ” ويعتبر الوكيل التجاري نائباً عن الأصيل ولذا تنصرف آثار الوكالة الى الموكل مباشرة فتقرب بذلك من الوكالة المدنية التي تعرفها المادة 927 من القانون المدني بأنها ” عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم ” .

إلا أن الوكالة التجارية تختلف مع ذلك عن الوكالة المدنية في أن الأولى تعتبر من عقود المعاوضة إذ يفترض أنها تمت بأجر وبمقابل إلا إذا اتفق على غير ذلك بينما تعتبر الوكالة المدنية كقاعدة عامة مع عقود التبرع (40) . ومن أنواع الوكالة التجارية الوكالة بالعمولة والوكالة بالعمولة بالنقل والوكالة بالنقل . والتمثيل التجاري وغير ذلك من أعمال التوسط الأخرى . وتعد الوكالة بالعمولة من أهم اعمال الوساطة ولم يعط قانون التجارة تعريفاً للوكالة بالعمولة رغم ذكره لها ضمن التعداد القانوني للأعمال التجارية الذي أوردته المادة الخامسة من القانون روغم أنه لم يضع لها أحكاماً خاصة بها ضمن باب العقود التجارية . هذا إضافة الى أن قانون تنظيم الوكالة والوساطة التجارية رقم 11 لسنة 1983 جاء خالياً أيضاً من أي تحديد لمفهوم هذا النوع من الوكالات . ومع ذلك فالوكالة بالعمولة ما هي إلا عقد يتعهد بمقتضاه الوكيل بالعمولة بأن يجري باسمه تصرفاً قانونياً لحساب الموكل مقابل أجر يطلق عليه بالعمولة Commission (41) . يستشف هذا التعريف من نص المادة 76 من قانون النقل رقم 80 لسنة 1983 الذي يحدد مفهوم الوكالة بالعمولة بالنقل بـ ” عقد يلتزم بمقتضاه الوكيل لقاء عمولة أن يبرم باسمه لحساب موكله …. عقد …. ” . فالوكيل بالعمولة هو من يقوم أذن بإبرام العقود باسمه الخاص لحساب شخص آخر هو الأصيل . كالوكيل الذي يتولى بيع السلع التي تنتجها المصانع التي يمثلها أو شراء المواد الأولية اللازمة لهذه المصانع أو الوكيل الذي يقوم بإبرام عقود النقل لحساب شركات النقل التي يمثلها . فإذا اشترى أو باع بضاعة لحساب الأصيل أو أبرام عقد النقل للشركات التي يمثلها فإنه – الوكيل بالعمولة – يشتري ويبيع ويبرم العقود لحساب الغير ، ولا يظهر اسم الموكل في العقود المبرمة بينه وبين الغير ، ولا تكون هناك صلة بين هذا الأخير والموكل . ويترتب على ذلك ما يلي :

أ- أن الوكيل بالعملة هو الملتزم دون غيره تجاه من يتعاقد معه ، أي الغير .

وهذا يعني بأن الوكيل بالعمولة يعتبر أصيلاً في التعاقد مع الغير فيلتزم في مواجهة هذا الغير بكافة الالتزامات التي تنشا عن العقد المبرم بينهما ، ويلتقي بالمقابل كافة الحقوق التي تترتب على هذا التعاقد . ولكن في علاقته بالموكل فإنه يعتبر وكيلاً عنه في مباشرة التصرف ويلزم في مواجهته بتنفيذ مضمون الوكالة .

ب- ليس للعاقد مع الوكيل بالعمولة دعوى مباشرة قبل الموكل . لذا فليس بإمكان الغير مثلاً أن يرفع الدعوى على الموكل لغرض مطالبته بدفع ثمن البضاعة التي باعها الى الوكيل أو تسليمه البضاعة التي باعها هذه الأخير لذمة الموكل وإنما ترفع الدعوى على الوكيل باعتباره الوحيد المسؤول عن التصرف . وتعتبر الوكالة بالعمولة عملاً تجارياً إذا كانت ممارسة على وجهة الاحتراف وبصيغة المشروع . عليه فإن من يقوم بوكالة بالعمولة لمرة واحدة فإنها لا تعد عملاً تجارياً ولا تدخل ضمن مفهوم نص الفقرة السادس عشرة من المادة الخامسة من قانون التجارة . فتجارية الوكالة بالعمولة ترتبط في مباشرة هذه الوكالة بشكل مشروع وإلا اعتبرت عملاً مدنياً (42) .

ولذلك فإنه ليس من المهم أن يكون موضوع الوكالة القيام بعمل تجاري لكي يضفي الوصف التجاري على الوكالة بالعمولة . فسواءاً كان العمل المعهود به للوكيل من بيعة مدنية أو تجارية وسواءاً كان العمل المعهود به للوكيل من طبيعة مدنية أو تجارية وسواءً كان محل هذا العمل من عروض التجارة أم من غيرها فإن الوكالة بالعمولة تعتبر تجارية بشرط ممارستها في شكل مشروع (43). أما الوكالة بالنقل فهي : ” عقد يلتزم الوكيل بمقتضاه بأن يقوم بالتصرفات القانونية وما يتعلق بها باسم الناقل ولحاسبه (44). وأعمال هذه الوكالة هي أعمال ” تنظيمية ” منها تقديم الخدمات للناقل وتابعيه بمقابل – عمولة – (45) . ويعتبر قانون النقل رقم 80 لسنة 1983 ” الأعمال والخدمات التي يقوم بها القطاع الاشتراكي أو أية جهة أخرى في مجال النقل نيابة عن الناقل بمثابة الوكالة بالنقل ” (46) . ويراد بالتمثيل التجاري كل اتفاق يتم بين طرفين يتعهد بمقتضاه طرف يسمى بالمثل التجاري بإبرام الصفقات باسم ولحساب الطرف الآخر وهو الموكل ، بصيغة مستديمة في منطقة معينة . والتمثيل التجاري نوع من الوكالة التجارية ، بيد أنه يختلف عن الوكالة بالعمولة من أن الممثل التجاري يحتفظ بتنظيم واستقلال خاصين ، بينما يخضع الوكيل بالعمولة لنوع من التوجيه وبضرورة الالتزام بتعليمات الأصيل الموكل ، أي : إن هناك رابطة تبعية بين الوكيل والموكل (47). ويمثل الممثل التجاري بصفة عامة محلاً من المحلات التجارية الكبرى أو شركة من الشركات التجارية . ويتولى إبرام الصفقات لحساب هذا المحل أو الشركة بدون انتظار موافقة خاصة بذلك (48). وللمثل عمولة معينة تقدر بنسبة مئوية بحسب قيمة الصفقة التي تبرم لحساب الموكل . ويستحق العمولة عن كل صفقة تبرم فيما إذا كان الوكيل هو (الوكيل العام) للموكل في منطقة معينة بذاتها حتى لو تمت الصفقة من قبل الموكل أن عن طريق شخص آخر غير الممثل التجاري إلا إذا كان هناك اتفاق بخلاف ذلك (49). وقد يتصور البعض بأن التمثيل التجاري لا يعدو عن كونه عملاً مدنياً ؛ لأن الممثل التجاري ليس في الواقع إلا تابعاً أو مستخدماً للموكل وأن العلاقة بين الطرفين ما هي إلا من قبيل عقود إيجارة الأشخاص . بيد أن مثل هذا التصور لا يستقيم برأينا مع الطبيعية الخاصة لتمثيل التجاري . إذ أن الممثل التجاري يحتفظ بتنظيم واستقلال خاص ، كما بينا آنفاً ويتخذ عمله شكل المشروع التجاري الحقيقي فتنتقي بذلك صفة التبعية التي قد تترآى للوهلة الأولى أنها قائمة بين الطرفين . وعلى أية حال فإن الفقرة الأولى من المادة الثالثة من قانون تنظيم الوكالة والوساطة التجارية رقم 11 لسنة 1983 أدخلت التمثيل التجاري في عداد الوكالة التجارية دون تقييد أو استثناء . وتتضمن أعمال التوسط أيضاً الدلالة أو السمسرة Courtage . والدلالة هي التقريب بين شخصين لكي يتعاقدا معاً نظير عمولة يقبضها الدلال من كليهما وتحدد هذه العمولة بنسبة معينة من قيمة الصفقة أو بمقتضى نص قانوني . والأصل أن الدلال ليس وكيلاً يقوم بإبرام العقود باسم طرف أو آخر من أطراف العلاقة القانونية . بل هو وسيط ينحصر دوره في التقريب والتوفيق بين طرفين يرغبان في إجراء تصرف قانوني معين . فهو يتوسط بين البائع والمشتري في عقد البيع ويقرب بين المستأجر والمؤجر في عقد الإيجار وهكذا . وتأسيساً على ذلك فإن الدلال يكون بمنأى عن الالتزامات والحقوق الشخصية التي تتولد عن العقد . فلا يكون مسؤولاً عن تنفيذ العقد بأية صورة كانت اللهم إلا إذا كان ذو مصلحة في إتمام الصفقة . فيعد عند ذلك ضامناً في تنفيذ العقد (50) . أما إذا ” كلف ” من أحد عملائه بإبرام العقد الذي توسط فيه فإنه يعتبر في هذه الحالة وكيلاً وسمساراً في آن واحد (51). ولا تعتبر الدلالة عملاً تجارياً إلا إذا كانت ممارسة على وجه الاحتراف . فمن يقوم بعمل منفرد من أعمال الدلالة لا يعتبر عمله تجارياً . ولا يشترط ، من جانب آخر تجارية الدلالة أن يكون موضوعها عملاً تجارياً فلا أهمية لطبيعة الصفقة المراد إبرامها من الناحية المدنية أو التجارية والقول بخلاف ذلك لا يستقيم وعموم نص الفقرة السادس عشرة من المادة الخامسة من قانون التجارة إذ أن النص جاء عاماً مطلقاً فلا مجال إذا للتخصيص أمام عمومية النص وإطلاقه عليه فإن الدلالة المرتبطة بعمل مدني كالدلالة في عقد إيجار تعد عملاً تجارياً وليس مدنياً .

 

(محاماه نت)

إغلاق