دراسات قانونية

الطرد المبرر للأجير على ضوء العمل القضائي (بحث قانوني)

الطرد المبرر للاجير على ضوء العمل القضائي

محمد ومو

طالب باحث ماستر قانون المنازعات

كلية الحقوق جامعة المولى اسماعيل مكناس

مقدمة:

باعتبار الحق في الشغل ذلك القاسم المشترك بين كل أفراد المجتمع، وبمثابة تلك الركيزة التي تضمن الاستقرار والتوازن، وعلى نفس المنوال يعتبر قانون الشغل حجر الزاوية في بناء التشريعات الاجتماعية، كما أنه من أهم القوانين التي تمس الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في أي مجتمع حديث.

وعليه فقد كان بديهيا بالنظر للطبيعة التقليدية التي تميز قانون الشغل في كونه ذو طابع حمائي، تدخل المشرع لصون عقد الشغل الذي هو عقد رضائي تبادلي أصلا، وبالتالي فتطبيقات مبدأ سلطان الإرادة هنا يفهم منه توازن الحقوق والالتزامات بين الطرفين الذي هو أمر مفترض فكما للأطراف كامل الحرية في الاتفاق أو عدم الاتفاق على إبرام العقد فإن لهم نفس الحرية في إنهاء العقد الذي أبرموه بينهم، غير أن اختلاف التوازن بين مركز المشغل ومركز الأجير، هذه العلاقة التي يحكمها اللاتكافؤ الواقعي، دفع المشرع للتدخل للحفاظ على استقرار الشغل ولحماية الطرف الضعيف في العقد، بإصدار تشريع خاص ينظم العلاقة بين الأجير والمشغل ويحدد التزامات كل منهما، في إطار سياسة ليبرالية، مراعيا كل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، موظفا في ذلك قواعد آمرة تهدف إلى التقليص من مبدأ الرضائية وتجعل إنهاء عقد الشغل يخضع لضوابط قانونية معينة، بحيث المراهنة على التضييق من الأسباب المؤدية إلى إنهاء عقد الشغل وإيجاد الوسائل القانونية التي تضمن استمراره إلى أطول مدة ممكنة.
لكن رغم ذلك فالمشغل يحتفظ لنفسه بالحق في اتخاذ بادرة الإنهاء بإرادة منفردة، عن طريق فصل الأجير شريطة احترام مهلة الإخطار وتوفره على مبرر مشروع على هذا الإنهاء، وبالتالي يتضح لنا مدى اختلال العلاقة الشغلية القائمة، ومدى الخطر الذي يحدق بالأجير بحيث يبقى عليه إما أن يقبل قرار المشغل وبالتالي فإنه لا مجال لتدخل القضاء، وإما أن ينازع في مدى مشروعية السبب المتخذ من المشغل كمبرر للفصل، وكذا الإجراءات المسطرية التي ألزمه المشرع بها.

من هنا فأهمية تدخل القضاء الذي يعد على رأس مناهج ووسائل عدالة الشغل لتحقيق أهداف التشريع الاجتماعي، بما أوتي من آليات تبدو ضرورية للحفاظ على توازن العلاقة الشغلية واستقرارها، أي ذلك التوازن بين الاقتصادي والاجتماعي خصوصا على مستوى الإنهاء في محاولة ليس فقط لتطبيق النصوص وإنما البحث عن روحها أخذا بعين الاعتبار كل الآثار التي قد تنجم عن تبني هذا الاتجاه او داك بل وقد يتطلب من القضاء إقرار اجتهاد متظور لمسايرة المتغيرات الحاصلة، خاصة أمام قصور النظام القانوني احيانا، وتنوع الوقائع القضائية.
وبذلك فأهمية الموضوع النظرية تنطلق من كون الفصل المبرر هو صورة لإنهاء عقد الشغل الذي يشكل تلك المرحلة الحساسة بالنسبة للأجراء، وأهمية عملية في كون الدراسة ستروم بحث الأفكار القوية التي تحرك العمل القضائي من خلال بحث الأحكام الصادرة في الموضوع، لاستشفاف مدى تناغمه مع النص التشريعي ومراعاته للجانب الاجتماعي.
وبذلك يصبح مشروعا إبراز الإشكالية المحورية لهذه الدراسة وهي ما حدود الرقابة القضائية وأهمية دورها في ضمان مشروعية فصل الأجير والحفاظ على استقرار العلاقة الشغلية؟ لنتساءل بعد ذلك عن أساس هذه الرقابة على الطرد المبرر؟ وهل القضاء استطاع من خلال الرقابة على الطرد المبرر تحقيق التوازن بين ما هو اجتماعي وما هو اقتصادي؟ وهل الرقابة تروم ذلك التناغم مع النص أم هناك مرونة في التعامل؟
لمقاربة هده الاشكالية ارتاينا تقسيم الموضوع كما يلي:

المبحث الأول: موقف القضاء من الفصل المبرر للأجير
المبحث الثاني: اثار الفصل المبرر للأجير

المبحث الأول: موقف القضاء من الفصل المبرر للأجير

يعتبر الطرد من الشغل أشد وأخطر عقوبة تأديبية يمكن أن تلحق الأجير المخل بالتزاماته القانونية أو الاتفاقية، أو المخل بقواعد الانضباط داخل أماكن العمل، ونظرا لخطورة هذه العقوبة على الحياة المهنية للأجير، فقد أحاطها المشرع المغربي بجملة من الضمانات ورسم طريقا إجرائيا واجب الاتباع لتوقيع عقوبة الفصل، كما خول في ذات الوقت للقضاء سلطة الرقابة على هذا الفصل وذلك من أجل ضمان مدى مشروعية القرارات التي يتخذها في إطار مراقبة الشروط الشكلية ﴿المطلب الأول﴾ ثم في إطار احترامه للشروط الموضوعية ﴿المطلب الثاني﴾.

المطلب الأول: دور القضاء في مراقبة الشروط الشكلية

سنحاول في إطار هذه الدراسة لهذا المطلب إلقاء نظرة عملية على القواعد والإجراءات التي ينبغي احترامها في حالة الفصل لارتكاب الأجير خطأ جسيما، وعليه سنركز اهتمامنا في إطار هذا المطلب على نقطتين أساسيتين: الأولى مسطرة الاستماع إلى الأجير، والثانية لمسطرة تبليغ مقرر الفصل.

الفقرة الأولى: مسطرة الاستماع إلى الأجير

إذا كان المشرع المغربي قد حافظ على العديد من الضمانات التي كانت في إطار النظام النموذجي الصادر في 23 أكتوبر 1948 من مثل: إخبار الأجير داخل أجل 48 ساعة من ارتكابه الخطأ بالأفعال المنسوبة إليه، وذلك برسالة مضمونة الوصول، إضافة إلى تسليمه رسالة تتضمن أسباب الطرد، وتسليم نسخة لمفتش الشغل في ظرف 8 أيام من يوم إثبات الخطأ المذكور، فإنه قد أضاف ضمانات أخرى لفائدة الأجير في المادة 62 من م ش التي تنص على أنه: ״يجب قبل فصل الأجير أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء أو المثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه، وذلك داخل أجل لا يتعدى 8 أيام ابتداء من التاريخ الذي تبنى فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه״ .
من خلال قراءة المادة يتضح أنها تنص وجوبا على ضرورة إتاحة الفرصة للأجير للدفاع عن نفسه من خلال الاستماع إليه من طرف المشغل أو نائبه وهو ما يسمى اختصارا بمسطرة الاستماع، وتتجلى أهمية هذه المسطرة في كونها تعتبر من مستجدات مدونة الشغل، وفي هذا الصدد أشارت محكمة الاستئناف في قرار لها رقم 4865 الصادر بتاريخ 20 سبتمبر 2006 ملف اجتماعي عدد 430/2006 إلى أنه ״وحيث إنه لا يوجد ما يفيد احترام المشغلة لمعطيات الفصول 62، 63، 64 من مدونة الشغل المتعلقة بإتاحة الفرصة للأجير قصد الدفاع عن نفسه قبل الإقدام على فصله وتحرير محضر بذلك وتسليمه مقرر الفصل يدا بيد أو بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، وحيث أن هذه المعطيات تعتبر قواعد آمرة وردت بصيغة الوجوب وأن عدم احترامها يجعل الفصل الذي تعرض له الأجير تعسفيا، ويعفي المحكمة من مناقشة الأخطاء المنسوبة إليه. مادامت الشكليات القانونية لرسالة الفصل لم يتم احترامها، وبالتالي يبقى الحكم الابتدائي مصادفا للصواب״.

يتضح من خلال القرار أنه لابد للمشغل من سلوك مسطرة الاستماع للأجير لأنها تعتبر قواعد آمرة وجوبية وليست اختيارية كما قد يظن، وفي ذات الصدد كذلك أشار المجلس الأعلى في إحدى قراراته صادر سنة 2009 قرار عدد 1143 في الملف عدد 1471/5/1/2008: ״إذا ما اعتبر المشغل أن الأجير برفضه قرار تعيينه في منصب جديد يكون قد ارتكب خطأ جسيما يبرر فسخ عقد الشغل الرابط بينهما، فإنه كان عليه التقييد بمسطرة الفصل التأديبي المقررة قانونا والتي تستوجب استدعائه الأجير داخل أجل 8 أيام من تاريخ الخطأ المزعوم للدفاع عن نفسه بالاستماع إليه״ .
ويتعين التمييز بين الإشكالات التي تظهر انطلاقا من تطبيق الإجراءات السابقة لاتخاذ مقرر الفصل أي خلال مسطرة الاستماع إلى الأجير وتلك التي تطرح ابتداء من اتخاذ ذلك القرار.

عدم النص على الاستدعاء حيث طرحن المادة 62 من م ش أول إشكال ويتعلق الأمر بعدم التنصيص على الاستدعاء رغم الإشارة إلى إلزامية الاستماع إلى الأجير من طرف المشغل خلافا للقانون الفرنسي المادة 1332 من قانون العمل الفرنسي.

فما هي الجهة المختصة باتخاذ مبادرة انطلاق مسطرة الاستماع؟ خاصة وأن الفقرة الأخيرة تنص على أنه: إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة يتم اللجوء إلى مفتش الشغل״ في إطار حماية الأجير في مواجهة السلطة التأديبية للمشغل حيث اعتبر المجلس الأعلى أن المشغل هو الملزم باتخاذ المبادرة لتطبيق مسطرة الفصل״ .
هناك أيضا مسألة حضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي حسب المادة 62 م ش التي تتحدث فقط عن ״حضور״. إن المشرع المغربي لم يحدد دوره الفعلي، هل حضوره شكلي؟ أم له دور دفاعي؟ أم دوره منحصر في مراقبة إجراءات جلسة الاستماع؟ تضاف إلى ذلك الحالة التي لا تتوفر فيها المقاولة على مندوب الأجراء أو الممثل النقابي وهي حالة المقاولات الصغرى، والمادة 62 من م ش نصت فقط على مندوب الأجراء أو الممثل النقابي، وفي حالة عدم تواجدهما معان هل يحضر الأجير وحده؟ هناك فراغ تشريعي بهذا الخصوص خلافا للتشريع الفرنسي الذي أعطى إمكانية الأجير اختيار أي عامل داخل المقاولة لحضور جلسة الاستماع معه .

أما بخصوص تحديد أجل الاستدعاء في 8 أيام كحد أقصى فالمشرع لم يحدد الأجل الأدنى وقد يقوم المشغل مثلا باستدعاء الأجير للاستماع إليه بنفس اليوم، فكيف يمكن لهذا الأخير أن يقوم بإعداد دفاعه في هذه الحالة؟
لذلك يمكن القول أن صياغة النص جاءت معيبة، بالرغم من التأكيد على صيغة الوجوب الذي حملته المادة 62 من م ش على ضرورة احترام مسطرة الاستماع إلى الأجير داخل أجل 8 أيام من ارتكاب الفصل المنسوب إليه تحت طائلة اعتبار أن الأجير قد تعرض لطرد تعسفي .

الفقرة الثانية: مسطرة تبليغ مقرر الفصل

أشارت المادة 63 من م ش إلى نفس ما ورد في المادة 6 من النظام النموذجي 23/10/1948 المتعلق بضرورة إشعار الأجير برسالة الطرد وقد تم التعبير عنها بمقرر الفصل.
وأصبح المشغل مخيرا في تبليغ مقرر الفصل بين إحدى الوسيلتين من ضمنها: تسليم مقرر الفصل إلى الأجير المعني يدا بيد مقابل وصل أو بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل داخل أجل 48 ساعة من تاريخ اتخاذ مقرر الفصل عن العمل بعدما كان الفصل 6 من النظام النموذجي يفرضهما معا، وفي هذا الصدد أكد المجلس الأعلى في قرار عدد 426 سنة 209 ملف عدد 822/5/1/2008 أن للمشغل الخيار بين طريقين لتسليم مقرر الفصل التأديبي إلى الأجير إما بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو تسليمه المقرر يدا بيد مقابل وصل ما عدا ذلك فلا يعتد به قانونا لتطبيق العقوبة.
ثم إن عدم تقيد المشغل بمسطرة تبليغ مقرر الفصل التأديبي يجعله مسؤولا عن فسخ عقد الشغل بصورة تعسفية، ولا حاجة لإجراء بحث من طرف محكمة الموضوع للتأكد من حصول الخطأ الجسيم أو عدمه .

ويصدر مقرر الفصل من المشغل وهذا ما أكده المجلس الأعلى حيث نص في إحدى قراراته رقم 353 ملف عدد 681/5/1/2008 مقرر الفصل التأديبي حتى وإن لم يحدد المشرع تاريخا معينا لاتخاذه، فإن المفروض صدوره من المشغل فور الانتهاء من الاستماع للأجير ليكون على بينة من أمره بخصوص مضمون العقوبة المقررة في حقه،
ولابد من توجيه نسخة من مقرر الفصل إلى العون المكلف بتفتيش الشغل، وفي هذا الصدد أكد المجلس الأعلى أن: ״تقييد المشغل جزئيا بمسطرة الفصل بالاستماع إلى الأجير داخل الأجل القانوني حول ما نسب إليه من خطأ جسيم مع تسليمه مقرر الفصل لا يعد كافيا، إذ يتوجب عليه استكمال المسطرة بتوجيهه نسخة من مقرر الفصل إلى العون المكلف بتفتيش الشغل وإثبات توصله بها تحت طائلة اعتبار الفصل تعسفيا من جانب المشغل״.
ويطرح تساؤل حول جزاء عدم احترام أجل 48 ساعة من طرف المشغل، في هذا الصدد صدرت عدة قرارات اعتبرت أن عدم احترام أجل 48 ساعة يعتبر خرقا قانونيا –قرار 2010 عدد 1532 ملف عدد 02/12/2012 المحكمة الابتدائية بالرباط .
وأخيرا فمقتضيات المادة 65 من م ش جاءت بصيغة الوجوب ونصت على ضرورة رفع دعوى الفصل أمام المحكمة داخل أجل 90 يوما من تاريخ التوصل بمقرر الفصل تحت طائلة سقوط الحق، لكن قد يطرح تساؤل في حالة تعذر تبليغ مقرر الفصل إلى الأجير عن طريق البريد المضمون؟
إن الأجل المذكور هو أجل السقوط وقد نصت المادة 65 من م ش على وجوب النص على ذلك الأجل في مقرر الفصل؟
وعدم التنصيص عليه يترتب عليه عدم سريان الأجل المحدد في 90 يوما وبالتالي تطبيق أجل التقادم المحدد في سنتين حسب المادة 395 من م ش .

المطلب الثاني: دور القضاء في مراقبة الشروط الموضوعية

لقد عمل المشرع من خلال مدونة الشغل على التقليص نوعا ما من حرية المشغل وحقه في اللجوء لفصل الأجير ليس فقط على مستوى الإجراءات الشكلية فقط، ولكن كذلك فيما يخص الجوهر وذلك باشتراطه أن يكون السبب حقيقيا وموضوعيا ومقبولا لترتيب الأثر القانوني الناجم عن هذه الخطوة.
لهذا وفي حالة منازعة الأجير في قضية الفصل الذي تعرض له يبقى على القاضي وفي إطار السلطة التقديرية المخولة له القيام بفحص جوهر النزاع والخصوصيات القانونية المرتبطة بالسبب الذي يدعيه المشغل لتبرير قراره المتخذ في حق الأجير.
وهكذا فإن القاضي يقوم أولا بالتأكد من ثبوت الفعل المنسوب للأجير، ثم يعمل على تقدير جسامة الخطأ المدعى من طرف المشغل ﴿الفقرة الأولى﴾، وبعد ذلك يتأكد من مدى الملاءمة بين الخطأ والعقوبة(الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: حول وجود الخطأ

سنقتصر في هذه الفقرة على دراسة دور القضاء حول الاقتراف المادي للخطأ، والمتمثل في إثبات الخطأ ﴿أولا﴾ ثم حول تقدير جسامة الخطأ ﴿ثانيا﴾.

أولا: إثبات الخطأ

لقد أثارت مسألة تحديد الطرف الملزم بإثبات الخطأ نقاشا قانونيا حادا حول الخروج عن القاعدة المدنية في الإثبات ، بأن ״البينة على من ادعى״ بحيث يتم نقل عبئ الإثبات من الأجير الذي يدعي انتفاء الخطأ المنسوب إليه إلى شخص المشغل الذي اتخذ إجراء الفصل، هكذا نجد أن المادة 63 من مدونة الشغل تنص على أنه ״يقع على عاتق المشغل عبئ إثبات وجود مبرر مقبول للفصل״.
وحسب هذا الاتجاه أصبح ادعاء الخطأ الجسيم من قبل المشغل دون أي دليل يعد ادعاءا مردودا عليه، وهوما سارت عليه مختلف الأحكام الصادرة في هذا الإطار.

حيث نجد حكم صادر عن ابتدائية الرباط بتاريخ 2 أكتوبر 2007 تحت عدد 1244، م ج ع 11/1832 جاء فيه ״وحيث يقع على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر مقبول للفصل طبقا لمقتضيات المادة 63 من م ش، وحيث عجزت المدعى عليها عن إثبات ارتكاب المدعي للخطأ الجسيم المتمسك به الشيء الذي يجعل دفعها غير مرتكز على أساس سليم״.
كما نجد في نفس الإطار قرارا صادرا عن استئنافية الدار البيضاء بتاريخ 10 يوليوز 2007 في قرار رقم 59/63/5964 جاء فيه ״وحيث إنه خلافا لما تدعيه الطاعنة في استئنافها فقد تبين أنها أسست طرد الأجير على الغياب غير المبرر لاأكثر من أربعة أيام حسب رسالة الفصل المؤرخة في 2- 1- 2005 وهو ما لم تثبته أيضا رغم منحها فرصة ذلك من خلال البحث المأمور به ابتدائيا وهو ما يجعل استئنافها غير مؤسس״.
كما نجد عدة قرارات وأحكام قضائية صادرة في إطار الفصل للخطأ الجسيم قد نهجت نفس التوجه وذلك بتحميل عبء الإثبات للمشغل ، وفي حالة عدم إثباته لذلك فإنه لا يعد سببا مبررا لطرد الأجير مما يستوجب معه إبقاءه في شغله.

إلا أن إعمال هذه القاعدة لا يعني إعفاء الأجير من إثبات واقعة الرجوع إلى العمل حيث تقع على عاتقه وهو ما قضى به المجلس الأعلى –محكمة النقض حاليا- بتاريخ 27/4/2005 قرار عدد 450 في م ج 4/10/2005 حيث جاء فيه: ״إن الثابت من محضر البحث المنجز استئنافيا بتاريخ 1/6/2004 أن شهادة الشاهد جاءت واضحة وأن المعني بالأمر توقف لمدة أسبوع في انتظار استئناف العمل بأولاد عياد، وبعد أسبوع عاد جميع الأجراء باستثناء المستأنف الذي اشتغل لدى شخص آخر وأن المشغل طالب الأجير بالرجوع إلى العمل عدة مرات دون جدوى، والمحكمة لما اعتبرت أن المطلوب كان في حالة طرد تعسفي والحال أن هذا الأخير لم يثبت أنه رجع إلى العمل رفقة باقي العمال بعد أسبوع من التوقف كان قرارها خارقا للقانون ويتعين نقضه״.
فإذا كان المشغل يقع عليه عبء إثبات ارتكاب الأجير لخطأ جسيم، فإنه يتمتع بحرية كاملة في إثباته وذلك باستعانته بجميع الوسائل الممكنة، أي المنصوص عليها في ق ل ع، خاصة في الفصل 404 منها شهادة الشهود، الكتابة، القرائن.

هكذا نجد عدة قرارات صادرة عن محاكم الموضوع ، تبني قناعاتها عن طريق الاستماع إلى الشهود من بين هذه القرارات نجد قرار المحكمة الابتدائية الرباط تحت عدد 2045 مؤرخ في 6 مارس 2007 م ج ع 11/943/05 جاء فيه: ״حيث إن المحكمة وفي إطار تحقيقها للدعوى استمعت للشاهدين…فأكدت الشاهدة الأولى أن المدعي قام بفعل مخل بالحياء، بعد أن رفض منحها أداة من أدوات العمل وهو ״الشكل المصمم״ مؤكدة كذلك شهادتها الكتابية المضمنة بالملف، وأما الشاهد الثاني فقد أفاد أيضا بانه عاين المدعي وهو يقوم بحركة مخلة بالحياء…״ وحيث إن الشاهدين بتأكيدهما لواقعة قيام المدعي بفعل مخل بالحياء ورفضه إنجاز عمل، يكونان قد أثبتا للمحكمة التي وجدت شهادتهما متناسقة وواضحة ارتكاب المدعي لخطأ جسيم مما يجعل فصله عن العمل فصلا مبررا ومشروعا وغير متسم بطابع التعسف״.
كما قضى المجلس الأعلى في أحد قراراته عدد 1156 الصادر بتاريخ 21 أكتوبر 2009 في الملف ج ع 1454/5/1/2008 بأنه ״تكون المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه قد جانبت الصواب لما استبعدت في إثبات واقعة ارتكاب الأجير لخطأ جسيم يبرر فسخ عقد الشغل الحكم المستدل به من طرف المشغل والذي قضى بإدانة الأجير من أجل جنحة خيانة الأمانة بتعليل أنه ليس نهائيا، في حين أن الأحكام مهما كانت طبيعتها مدنية أو جنائية صادرة عن المحاكم المغربية والأجنبية تكون حجة على الوقائع التي تثبتها حتى قبل صيرورتها نهائيا״.
هكذا نجد بأنه إذا كان المشرع متشددا مع المشغل في ضرورة إثباته لارتكاب الأجير للخطأ فإنه كان معه مرنا فيما يخص وسائل إثبات الأجير للخطأ.

ثانيا: تقدير جسامة الخطأ

لقد اعتبر المشرع المغربي فصل الأجير من عمله مبررا عند ارتكابه لخطأ جسيم، لكنه لم يعرفه وترك ذلك للفقه والاجتهاد القضائي، واكتفى بتعداد حالاته .
ويمكن تعريف الخطأ الجسيم أنه السلوك الصادر عن الأجير، والذي يتعذر معه استمرار علاقة العمل ولو بصفة مؤقتة نظرا لعدم الاستقرار الذي يسببه تواجد الأجير داخل المؤسسة، وقد حددت المادة 39 من م ش الأخطاء الجسيمة التي يعتبر ارتكابها من قبل الأجير سببا مبررا لفصله.

إن القاضي الاجتماعي ملزم بالبحث عن الوجود المادي للخطأ المنسوب للأجير، مع إعطائه التكييف الصحيح، والذي غالبا ما يتم في إطار حالتين: فإما أن يكون الخطأ المرتكب من طرف الأجير واردا في التعداد الذي تضمنته المادة 39 من مدونة الشغل وإما أن يكون الخطأ غير مدرج في ذلك التعداد، ويبقى فقط خاضعا للسلطة التقديرية للمشغل الذي يعتبره مبررا للفصل، إلا أن القضاء هو الذي له السلطة التقديرية لمعرفة ما إذا كان المشغل على صواب أم لا لفصل الأجير، لذلك سنتطرق إلى التكييف القضائي للخطأ المنصوص عليه تشريعيا والغير المنصوص عليه.

1- التكييف القضائي للخطأ المنصوص عليه تشريعيا

في هذه الحالة تكون سلطات المحكمة ضيقة، لأن المشرع عدد الأخطاء الجسيمة من خلال المادة 39 والتي يعتبر ارتكاب أحدها من قبل الأجير سببا مبررا لفصله، على أنه تجدر الإشارة إلى أن المحكمة غير ملزمة بمناقشة كل الأخطاء الواردة برسالة الطرد، وهذا ما قضى به المجلس الأعلى، في قرار رقم 4111 الصادر بتاريخ 10/5/2006 في م ج ع 1159/5/1/2005 حيث قرر بأن ״ المحكمة غير ملزمة بمناقشة كل الأخطاء الواردة برسالة الطرد، والتي تنسبها المشغلة إلى أجيرها بل يكفيها اعتماد أحد الأخطاء الجسيمة التي تبرر الطرد״.

وسنعمل على الحديث عن بعض الأخطاء الجسيمة وفي كيفية تكييفها قضائيا:
*خيانة الأمانة:
رغم أن المادة 39 من م ش قد اعتبرت ״خيانة الأمانة״ خطأ جسيما دون اشتراط صدور حكم يدين الأجير عن هذا الفعل، إلا أنه من شان هذا الحكم أن يكون قناعة المحكمة من أن الخطأ المنسوب للأجير ثابت في حقه.
جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء عدد 5195 بتاريخ 12 أكتوبر 2006 م ج ع 4378/2003 جاء فيه ״…لكن حيث إن المحكمة بعد اطلاعها على وثائق الملف وخاصة الحكم الجنحي الصادر بتاريخ 17 اكتوبر 2002، القاضي بإدانة المستأنف من أجل جنحة خيانة الأمانة ومعاقبته بشهرين حبسا موقوفة التنفيذ، وغرامة قدرها 500 درهما، وكذا محضر الضابطة القضائية كونت المحكمة قناعتها بأن الخطأ المنسوب للجير ثابت في حقه، وأن الحكم المستأنف القاضي برفض طلب التعويض عن الطرد، كان في محله״.

*التغيب بدون مبرر عن العمل:
حيث أتيحت للمجلس الأعلى إعمال السلطة التقديرية في تغيب الأجير بسبب الاعتقال الجنائي حيث قضى في قرار عدد 1257 الصادر بتاريخ 11 نونبر 2009 في م ج ع 1028/5/1/2008 بـ ״لكن حيث إن الثابت من وثائق الملف وبإقرار الطاعن تغيبه عن العمل لمدة تجاوزت المسموح به قانونا، والمحددة في 4 أيام خلال الاثني عشر شهرا طبقا لأحكام المادة 39 من مدونة الشغل بعدما اعتقل في قضية جنحية لمدة ستة أشهر إثر تحريات للضابطة القضائية في جريمة للهجرة السرية كما جاء بمحضر هذه الأخيرة وهو ما أكده الطاعن من معرض سرده للوقائع النازلة، لا بسبب اتهامه من طرف المطلوبة كما جاء بالوسيلة، وعلم مشغلته بتغيبه لتتبعها إجراءات المسطرة الجنحية لا يعد منها موافقة على هذا الغياب ولا يجعلها مسؤولة عن اعتقاله، كما أن الحكم ببراءته لا يعفيه من المسؤولية عن غيابه الذي يبقى غير مبرر ويشكل خطأ جسيما يفضي إلى فصله من عمله دون تعويض، وهو ما طبقه القرار، فكان بما انتهى إليه معللا تعليلا سليما والوسيلة لا سند لها״.
هكذا نستنتج من هذا القرار بان تغيب الأجير عن العمل لمدة تتجاوز الأربعة أيام المسموح بها قانونا، وذلك بسبب اعتقاله في قضية جنائية يعد تغيبا بدون مبرر يندرج ضمن الأخطاء الجسيمة التي تجيز للمشغل فسخ عقد الشغل الرابط بين الطرفين حتى ولو ثبت علم المشغل بظروف التغيب القسري أو صدر حكم ببراءة الأجير من التهمة التي اعتقل بسببها وذلك استنادا إلى المادة 39 من م ش.

*السرقـــــــة:
تم ذكر السرقة من بين الأخطاء الجسيمة التي تبرر فصل الأجير إلا أن التساؤل المطروح عما إذا كان اختلاس الأجير لأشياء زهيدة القيمة يعتبر خطأ جسيما أم لا؟ وكيف كيفه القضاء؟.

لقد أتيحت الفرصة للقضاء للإجابة عن هذا التساؤل حيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاءعدد1217 بتاريخ 25/5/2006 م ج ع 2005 حيث تدفع المشغلة بالخطأ الجسيم للأجير والمتمثل في سرقة جوارب واحدة والتي ارتداها وهي في ملك الشركة ومن منتوجاتها وما دفع به الأجير أن تلك الجوارب غير الصالحة والممزقة اعتاد العمال أن يلبسوها وهي من النوع الثاني، وحيث إنه وعلى فرض أن ما قام به الأجير من ارتداء جوارب المشغلة التي تصرح بواسطة ممثلها أثناء جلسة البحث أنه لا علم لها فيما إذا كانت صالحة ام غير صالحة وأن الشاهد شاهد الأجير وهو خارج من المسجد يرتدي الجوارب فإنها لا ترقى إلى درجة الخطأ الجسيم״.

*الاعتداء بالضرب:
فرغم أنه منصوص عليه في المادة 39 باعتباره خطأ جسيما يستوجب معه فصل الأجير إلا أن القضاء وبإعماله لسلطته التقديرية، اعتبر بان الأجير خارج من نطاق المسؤولية متى كان ضحية أو في حالة الدفاع عن نفسه أو في حالة استفزاز حيث قضت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء عدد 157 بتاريخ 9 يناير 2006 م ج ع 915/2005 ״وحيث إنه بالرجوع لوثائق الملف ومستنداته وخاصة البحث المجرى ابتدائيا، يتبين أن الخطأ الجسيم المنسوب للأجير والذي اعتمدته المستأنفة في قرار الطرد غير مناسب في واقعة النازلة، ذلك ان الأجيرة كانت مستفزة حين قام رئيسها المباشر بدفعها محاولا إخراجها من مقر العمل، حيث أسقطها أرضا وقامت هي بدورها بخدشه في وجهه، وكان ذلك على مرأى من الشاهد المستمع إليه ابتدائيا بعد أدائه لليمين القانونية ولم تكن تصريحاته محل أي طعن من قبل الطرفين، إذ الخطأ ابتدأ بفعل المسؤول بالشركة باستعماله للعنف ضد الأجيرة الشيء الذي بقي معه الخطأ الجسيم المزعوم منعدما״.

2- التكييف القضائي غير المنصوص عليه تشريعيا

إن القضاء المغربي قد أتيحت له الفرصة بعد صدور المدونة للتأكيد على أن الأخطاء الجسيمة المنصوص عليها في المادة 39 م ش قد وردت على سبيل المثال لا الحصر، حيث قضت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في قرار عدد 5186 بتاريخ 12 أكتوبر 2006 ملف رقم 6026- 05 ״حيث إن الثابت في محضر البحث المجرى في النازلة ابتدائيا أن الأجير ارتكب خطأ جسيما يتمثل في سب رئيسه المباشر بكلمات نابية وأنه غير الرقم السري للحاسوب ولم يمكن باقي العاملين للعمل به، وأن الجهاز كان ضروريا للشركة وقت غيابه…وحيث إن النازلة تدخل في نطاق ظهير 1948 وليس م ش فضلا عن ذلك فإن الخطأ المرتكب الثابت في حقه يدخل في نطاق ظـ 1948 وق 65.99 معا وإن الأخطاء المسطرة بالظهير والقانون هي على سبيل المثال لا الحصر״.

كما أنه وفي إطار اكتساح ثورة المعلوميات عالم الشغل واعتماد المؤسسات على هذه التقنيات بشكل كبير في تنظيم أعمالها اعتبرت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في أحد قراراتها عدد 6057 مؤرخ في 10 يوليوز 2007 م ج ع 1301/07 ، أن تحديد مخزون الحاسب الآلي من قبل الأجير يعد خطأ جسيما يستحق عنه الفصل هكذا جاء في قرارها: ״وحيث ثبت من أوراق الملف وخاصة محضر البحث أن الشاهد أكد بعد أدائه اليمين القانونية أن الأجير قام بتحديد كمية تخزين الحاسب الذي يعمل عليه قبل خروجه في عطلة، مما أدى إلى توقف البرمجة وقد توصل إلى هذه المعلومات بعد مراقبته الشخصية للحاسوب المذكور، وهو ما لم يدحضه الأجير وبذلك يكون الخطأ المنسوب إليه ثبتا في حقه وهو خطأ جسيم״، يحرمه من كل تعويض عن الإخطار والفصل والضرر״.

الفقرة الثانية: الملاءمة بين الخطأ وعقوبة الفصل

إن القضاء المغربي وهو يبت في نزاعات الشغل المتعلقة بالفصل لخطأ جسيم كثيرا ما يجد نفسه أمام نوازل توقع فيها عقوبات بفعل الأجراء من قبل المشغل بشكل لا يتناسب مع طبيعة الأخطاء المقترفة من طرفهم مما يثير تساؤلا عريضا حول ما إذا كان من حق القضاء التدخل للملائمة بين الخطأ المقترف والعقوبة الموقعة.

هكذا نجد من خلال قرارات محاكم الموضوع والمجلس الأعلى لم تعد سلطتها التقديرية تنحصر في مراقبة تواجد الخطأ المنسوب إلى الأجير بل تجاوزتها إلى تقدير العقوبة المطبقة على الأجير والتي لم تقف عند حدود وصف الفصل بالتعسفي بل تعدته إلى درجة إلغائه.
منها قرار صادر عن المحكمة الابتدائية لتزنيت عدد 45 بتاريخ 20/12/2006 م ج ع 32/05 جاء فيه: ״حيث دفعت المدعى عليها بالخطأ الجسيم الصادر عن المدعي في حق ريسه بصدور عبارة ״ ما خدامش عند باك״ حسب إفادة الشاهدين….وأنه اعترف بخطئه حسب الثابت من المحضر الموقع من طرفه وأن هذا الخطأ يعتبر من الأخطاء الموجبة للفصل وفقا للمادة 39 من م ش.
وحيث إن عبارة ״ما خدامش عند باك״ الصادرة من المدعي في حق مدير المؤسسة لا تندرج ضمن السب الفادح المنصوص عليها في المادة 39 من مدونة الشغل وإنما تعتبر من الأخطاء غير الجسيمة التي تستوجب التدرج في العقوبات وفقا لمقتضيات المادة 37 من نفس القانون.
كما نجد قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط تحت رقم 2778 بتاريخ 10/4/2007 م ج ع 43/7/15 حيث تعترف لنفسها بسلطة الملائمة بين العقوبة والخطأ المرتكب من طرف الأجير ومما جاء في قرارها : ״ وحيث إن الدفع بكون المستأنف عليها ارتكبت أخطاء جسيمة ﴿السب العلني داخل مقر العمل وعدم الانضباط داخل العمل عن طريق سلوكات مخلة بنظام المؤسسة وعصيان الأوامر ورفض الخضوع للتعليمات﴾ هو دفع غير مؤسس ذلك لأنه حتى على فرض أنها ارتكبت هذه الأخطاء فإنه على المشغلة أن لا تقوم بطردها وأن تتبع معها التسلسل في العقوبة مما يجعل دفع المستأنفة هذا غير جدي״.

ويعزز كذلك المجلس الأعلى بإمكانية محاكم الموضوع بإعمال سلطتها التقديرية في مدى ملائمة العقوبة مع الخطأ، وهذا ما قضى به المجلس الأعلى في أحد قراراته رقم 557 بتاريخ 26/5/2004 م ج ع 195/2004 جاء فيه ״أن المحكمة بتعليلها وفي إطار سلطتها التقديرية أن مسح المعلومات من ذاكرة الحاسوب هو خطأ يمكن تداركه باسترداد المعلومات دون أن يترتب عن ذلك نتائج خطيرة تلحق ضررا بالمؤسسة وتجعل علاقة المشغلة مع الأجيرة غير ممكنة لاسيما وأنه يمكن معاقبة الأجيرة بإنذارات كتابية أو توقيفها لمدة معينة، مما يجعل طرد عقوبة مبالغ فيها ولا تصل إلى درجة الجسامة فكان ما قضت به المحكمة مصدرة القرار مرتكزا على أساس״.
كما طرح على القضاء حالة عدم امتثال الأجير للعقوبات التأديبية فهل يعتبر طرده مبررا؟

أجاب المجلس الأعلى من خلال قرار عدد 905 الصادر بتاريخ 21 أكتوبر 2010 في م ج ع 1226/5/1/2005 ״أن رفض الأجير الامتثال للعقوبات التأديبية المتخذة في حقه بالإيقاف عن العمل لمدة محدودة وعدم إثباته استئناف عمله بعد فترة العقوبة أو منعه من ذلك من طرف المشغل يجعله في حكم من غادر عمله بصورة تلقائية، وهو ما لم يكن معه المشغل ملزما بإنذاره وبالرجوع إلى العمل، ويكون فسخ عقد الشغل مبررا من طرف المشغل، لا يستحق عنه الأجير التعويضات المقررة في الطرد التعسفي״.

المبحث الثاني: اثار الفصل المبرر للأجير

تبدأ صعوبة وخصوصية دور القضاء في حل نزاعات الشغل في لعب دور توازني للحفاظ على السلم الاجتماعي ، ويعتبر العمل القضائي فيما يخص الفصل المبرر الصورة النهائية التي صاغتها جل النظم القانونية لحماية حقوق الأجير بممارسة حق اللجوء إلى القضاء، سواء في تقرير تصنيف الفصل مبررا وغير مبرر أو في الحصول على مختلف التعويضات، وخاصة التعويض عن الفصل أو التعويض عن الإخطار، وكذا الحصول على مستحقاته وشهادة العمل اللذان يعتبران من الحقوق المضمونة للأجير.

المطلب الأول: بالنسبة للتعويضات

إن إنهاء عقد الشغل اعتمادا على ما ارتكبه الأجير من خطأ جسيم يكون مشروعا يخول فصل الأجير دون أي تعويض، ذلك أن مناط الحكم بالتعويض يمكن في ثبوت مسؤولية المشغل عن إنهاء عقد الشغل، ومادام أن المشغل لا يتحمل أي مسؤولية في هذه الحالة، فهو غير ملزم بالتعويض عن الفصل ولا بمراعاة أجل الإخطار أو التعويض عنه .

الفقرة الأولى: الحرمان من مهلة الإخطار والتعويض عنها

الإخطار هو تصرف قانوني انفرادي بمقتضاه يعبر أحد المتعاقدين – المشغل أو الأجير- عن إرادته في إنهاء عقد الشغل الرابط بينهما، ولأن الأمر يتعلق بتصرف انفرادي، فهو لا يرتب آثاره إلا بوصوله إلى علم الطرف الآخر، وهو غير مشروط بقبول هذا الأخير، لأنه حق لكل متعاقد، والهدف منها تجنب عنصر المفاجأة في إنهاء عقد الشغل، لكن ما يهمنا بالأساس هو إخطار الأجير المفصول عن عمله، إذ يعفى المشغل عن مهلة الإخطار بسبب ارتكاب الأجير خطأ جسيما ، بالرغم من أهميتها سواء من خلال حجيتها والأسباب التي تتضمنها . وهو ما أكدته عدة أحكام وقرارات.

وهو المعطى الذي أكده حكم المحكمة الابتدائية بالرباط المؤرخ في 2008/04/17 والذي جاء فيه: وحيث أن الشهود بتأكيدها الواقعة قيام المدعى بفعل مخل بالحياء ورفض إنجاز عمل يكونان قد أثبتا للمحكمة التي وجدت شهادتهما متناسقة وواضحة، ارتكاب المدعي لخطأ جسيم مما يجعل طلباته المتعلقة بالاخطار والطرد التعسفي والإعفاء غير مرتكزة على أساس ولا يستحق عنها أي تعويض ويتعين بالتالي التصريح برفضها، ويبقى محقا في التعويضات الناتجة عن تنفيذ عقد الشغل فقط .
كما أكده أيضا حكم آخر لنفس المحكمة مؤرخ في 03/07/2007، وحيث إن المدعي عليها وبعد إقرارها بالعلاقة الشغلية دفعت بارتكاب المدعي خطأ جسيما برفضه القيام بعمله وسب وشتم وضرب رئيسه.
وحيث أن المحكمة وفي إطار تحقيقها للدعوى أمرت بإجراء بحث تم بحضور الأطراف والدفاع واستمعت خلاله للشاهد..فأكد لها بعد نفيه لموجبات التجريح وأدائه اليمين، صحة ما تمسكت به المدعى عليها ذلك أنه أفاد أن المدعي رفض القيام بعمله بدون أي سبب وأنه أيضا قام بسب وضرب رئيسه في العمل، ومستند على الشاهد بالواقعة هو لمعاينة بحكم مرافقته المدعي في عمله.

وحيث أنه فضلا عن ذلك فقد أدلى الممثل القانوني للمدعي عليها بنسخة حكم جنحي قضى بمعاقبة المدعي من أجل جنحة الضرب والجرح في مواجهة رئيسه بحبس موقوف التنفيذ.
وحيث ولئن تمسك المدعي بكون المدعى عليها لم تنذره بالرجوع للعمل فإنه لا وجود لأي نص قانوني يلزم المشغلة بإرسال أية رسالة بالرجوع إلى العمل، فضلا على أن المدعى عليها في نازلة الحال عمدت إلى فصل المدعي من عمله لارتكابه خطأ جسيما وليس لسبب آخر.
وحيث إن المدعي بثبوت ارتكابه لخطأ جسيم فإن فصله من العمل يبقى مبرر وغير متسم بطابع التعسف، الأمر الذي يجعل طلباته المتعلقة بالطرد التعسفي وتوابعه من إخطار وفصل غير مرتكزة على أساس ويتعين التصريح برفضها .
وما يمكن استخلاصه ارتباطا بالخطأ الجسيم الذي يرتكبه الأجير يتم حرمانه بصفة حتمية من مهلة الاخطار و التعويض عنها.

الفقرة الثانية: الحرمان من التعويض عن الفصل

يستحق الأجير المرتبط بعقد شغل غير محدد المدة تعويضا عن فصله، بعد قضائه ستة أشهر داخل نفس المقاولة بصرف النظر عن الطريقة التي تقاضى بها أجره، وعن دورية أدائه، لكن الفصل التأديبي –في إطار الخطأ الجسيم للأجير- لا يؤدي فقط إلى إنهاء عقد الشغل، وإنما أيضا حرمان الأجير من التعويض عن الفصل إلى جانب التعويض عن الإخطار ، وقد عرف القضاء بجميع مستوياته أحكاما وقرارات بهذا الشأن.
وهو نفسه الاتجاه الذي عرفه المجلس الأعلى –محكمة النقض حاليا- بتاريخ 21 أكتوبر 2010 في الملف عدد 1296/5/1/2009.

إن رفض الأجير الامتثال للعقوبة التأديبية المتخذة في حقه بالإيقاف عن العمل لمدة محدودة ومدة إثباته استئناف عمله بعد فترة العقوبة أو منعه من ذلك من طرف المشغل يجعله في حكم من غادر عمله بصورة تلقائية وهو ما لم يكن معه المشغل ملزما بإنذاره بالرجوع إلى العمل، ويكون فسخ عقد الشغل مبررا من طرف المشغل، لا يستحق عنه الأجير التعويضات المقررة عن الفصل .

وفي نفس المنحى قرار آخر للمجلس الأعلى –محكمة النقض حاليا- عدد 201 المؤرخ في 27/02/2008 الذي جاء فيه:
تقليد توقيع المسؤول عن المستودع من طرف الأجير يعد خطأ شنيعا، يستوجب الطرد من العمل دون الحصول على أي تعويض.
وبذلك فالتعويض يبقى مرتبطا وجودا وعدما بالتعسف في استعمال حق الإنهاء منفردة لعقد الشغل غير المحدد المدة، وبمفهوم المخالفة لا يستحق الأجير هذا التعويض في حالة ارتكابه لخطأ جسيم حسب تكييف القاضي .
وهو ما أكده قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء المؤرخ في 25/09/2007 حيث إن الطاعنة تدعي في أوجه استنتاجاتها أن الأجير المستأنف عليه ارتكب خطأ جسيما يتمثل في ضبطه يقوم ببيع بطاقات تعبئة تخص شركات منافسة وأنه اعترف بذلك بمقتضى اعتراف كتابي.
وحيث أجاب المستأنف عليه بأن الوثيقة المدلى بها من طرف المستأنفة أرغمت العارض على توقيعها من أجل تبرير طردها له ملتمسا الحكم بتأييد الحكم الابتدائي المستأنف مع تعديله والحكم وفق المقال الافتتاحي للعارض.

وحيث إنه بمراجعة أوراق الملف يتبين أن الخطأ الجسيم المنسوب للأجير والمتمثل في بيعه بطاقات تعبئة تخص شركات منافسة ثابتة في حقه استنادا إلى طلب الاستعطاف من أجل الرجوع إلى العمل المؤرخ في 30/2/2002 الصادر عن الأجير المستأنف عليه والموقع والمصادق عليه من طرفه والذي يعترف فيه بهذا الخطأ الجسيم.
وحيث إنه والحالة هذه لا مجال للقول بوجود فصل تعسفي بالملف مما ينبغي معه إلغاء الحكم الابتدائي المستأنف مما قضى به من تعويض عن الإشعار الإعفاء والطرد والحكم من جديد برفض الطلب بشأنه .
فاذا كان الحرمان من التعويضات متلازما مع ثبوت وجود الخطأ الجسيم للأجير فماذا بشأن مستحقاته و شهادة عمله ؟

المطلب الثاني: مستحقات الأجير بعد الفصل

المستحقات الناتجة عن عقد الشغل هي التعويضات عن مستحقات الأجير سواء تبت طرده طردا مبررا أو بصفة تعسفية، خلافات للتعويضات الناتجة عن الفصل والتي أساسها المسؤولية التقصيرية للمشغل لا يستحقها إلا إذا ثبت أن الفصل الذي تعرض له الأجير فصلا تعسفيا ، وباعتبار الفصل المبرر سببا من أسباب إنهاء عقد الشغل التي تخول الأجير حق المطالبة بمستحقاته الناتجة عن عقد الشغل، فإنه متى فصل من شغله فله أن يطالب باستخلاص متأخرات أجوره المستحقة ﴿فقرة أولى﴾ وتسليمه شهادة الشغل ﴿فقرة ثانية﴾.

الفقرة الأولى: استخلاص متأخرات الأجور المستحقة

باعتبار الأجر من أهم عناصر عقد الشغل استنادا إلى فكرة المعاوضة التي يقوم عليها عقد الشغل، فهو حق ثابت للأجير بحيث له المطالبة به حتى بعد فصله من الشغل شريطة ألا يحول مبرر قانوني دون ذلك، كتقادم الدعوى الناشة عنه.

كما للأجير المطالبة بتكملة الأجر إذا كان يتقاضى أقل من الحد الأدنى للاجور فقد يحدث أن يتفق الطرفان على أجر معين طبقا للفصل 230 من ق ل ع لكن بالنظر للقواعد الخاصة لتحديد الأجر، فالأخير لا يجب ان يقل عن الحد الأدنى باعتباره القيمة الدنيا المستحقة للأجير وبالتالي فالمحكمة متى ثبت لديها أن الأجراء المفصولين كانوا يتقاضون أقل من الحد الأدنى للاجر فلها أن تحكم لهم ولو بعد فصلهم من الشغل باسترداد مكملات أجورهم إضافة إلى إمكانية تطبيق المقتضيات الزجرية الخاصة بمخالفة الحد الأدنى للأجر ، وهو ما أكده المجلس الأعلى في قرار له معبرا فيه أن الحد الأدنى للأجر من النظام العام الاجتماعي والذي جاء فيه ״حيث ثبت صحة ما عابته الوسيلة على القرار المطعون فيه، ذلك أن الأجيرة لما طالبت بالفرق بين الأجر الذي كانت تتقاضاه والمحدد في ألف درهم والمحكمة قضت برفض الطلب في هذا الخصوص على أساس أنه ثبت للمحكمة بأنها فعلا تقبض مبلغ ألف درهم في الشهر وقبولها به طيلة مدة الاشتغال يجعل الطلب غير مقبول في هذا الشق، لأن عقد الشغل من العقود الرضائية ويتوفر على جميع أركانه وعناصره ومنها الأجر والحال أن الحد الأدنى للأجر من النظام العام يستوجب احترامه والمحكمة لما لم تبت على هذا الأساس يكون قرارها معرضا للنقض جزئيا في هذا الشق״، هكذا وبالرجوع إلى القرار المطعون فيه الذي أسس عليه المجلس الأعلى قراره نستنتج أن القضاء الاجتماعي قاصر عن أداء دوره أحيانا وتحقيق تلك الحماية الاجتماعية المرجوة منه وأنه غير قادر كما في نازلة الحال على حماية وتكريس حتى ما سبق وأن كرسه المشرع من مكتسبات.

وفي قرار آخر للمجلس الأعلى جاء فيه ״حيث أن المحكمة بتعليلها أن الأجيرة غير محقة في الحصول على التعويض عن تكملة الأجر لأنها رضيت بالأجر وقت التعاقد والحال أن الأجر من النظام العام ولا يمكن أن تقل عن الحد الأدنى وهي القيمة الدنيا المستحقة للأجير وتعتبر من الحقوق التي يقرها القانون كحد أدنى لا يمكن التنازل عنه فكان ما نصت به المحكمة من رفض طلب تكملة الأجر غير مرتكز على أساس״.
وتجدر الإشارة أن طلب الفرق بين الحد الأدنى والأجرة الفعلية يسقط بالتقادم إذا أثاره صاحب المصلحة وهو المشغل كما هو الحال في قرار المحكمة الاستئنافية بالجديدة ، والذي جاء فيه ״وحيث تبين للمحكمة بعد رجوعها إلى وثائق الملف ومذكرات الطرفين ما دفعت به المستأنفة من تقادم فيما يخص الفرق بين الأجر الفعلي والأجر القانوني المحكوم به ابتدائيا وذلك إعمالا لمقتضيات الفصل 388 من ق ل ع الذي ينص على أن دعاوى الخدم من أجل رواتبهم تتقادم بمضي سنة كاملة، وحيث أنه طالما أن المستأنف عليها تطالب بأداء الفرق بن الأجر القانوني والفعلي ابتداء من سنة 1996 إلى سنة 2003 فإنها تبقى محقة في الفرق بين الأجرين عن السنة الأخيرة فقط دون باقي المدة المذكورة أعلاه لشمولها بالتقادم…״.

الفقرة الثانية: تسليم الأجير شهادة الشغل

عندما يفصل الأجير من الشغل، فإن أكبر هم يثقل كاهله البحث عن إيجاد شغل جديد، ومن بين العوائق التي تصادفه في ذلك ضرورة إثبات قدراته وكفائته المهنية بواسطة ما حصل عليه من مهارات في حياته التكوينية، وما سبق له أن قام به ، لذلك فحاجة الأجير إلى شهادة الشغل مهمة لإثبات مؤهلاته وهي تأكيد كذلك على العلاقة الشغلية التي كانت قائمة بين الأجير ومشغله، وفي ذلك تيسير له في تشجيع المشغل الجديد على استخدامه كما أنها تطمئن الأخير على أن طالب العمل حر من أي التزام.
لكل هذا فالمشرع عمل على إلزام المشغل بموجب المادة 72 م ش بوضع شهادة الشغل رهن إشارة الأجير بعد فصله من الشغل داخل أجل ثمانية أيام كحد أقصى، وذلك تحت طائلة أداء التعويض، علما أنه يبقى على الأجير طلبها ومن ثمة فإن لم يطلبها فلا مسؤولية على المشغل، إذ القاعدة أن شهادة العمل تطلب ولا تحمل.
وبخصوص أجل التسليم المحدد في ثمانية أيام يطرح التساؤل عن كيفية إثبات التماطل في أداء الشهادة؟
في هذا الصدد يذهب بعض الفقه إلى أنه يمكن إثبات التماطل لاستحقاق التعويض عن طريق إنذار كتابي للمشغل بطلب منحه شهادة الشغل وعند توصله ومرور 8 أيام يكون الأجير محق في التعويض، وقد يحدث أن يمنح المشغل هذه الشهادة إلى الأجير ولكنها لا تحمل جميع البيانات المنصوص عليها في المادة 72 الأمر الذي يكون سببا لاستحقاق الأجير التعويض عن امتناع مشغله تسليمه الشهادة المطابقة للبيانات المنصوص عليها في القانون.
وهو ما قضى به المجلس الأعلى في قرار له حيث جاء فيه ״وخلافا لما اعتبره قضاة الموضوع، فإن العرض العيني الذي قامت به العارضة بدر أي مطل مزعوم عن العارضة عملا بالفصل 275 من قانون الالتزامات والعقود يعطي الحق للأجير في الحصول على شهادة العمل أو التعويض عنها في حالة الامتناع״.
واستبعدت المحكمة الوثيقة المؤرخة في 19- 4- 2000 والتي أدلت بها المشغلة واعتبرتها شهادة العمل، بعلة ״أنها لا تتضمن المواصفات التي يجب أن تتوفر عليها شهادة العمل مما كان معه القرار المطعون فيه معللا تعليلا كافيا ومطابقا للقانون

التصميم:

مقدمة:
المبحث الأول: موقف القضاء من الفصل المبرر للأجير
المطلب الأول: دور القضاء في مراقبة الشروط الشكلية
الفقرة الأولى: مسطرة الاستماع إلى الأجير
الفقرة الثانية: مسطرة تبليغ مقرر الفصل
المطلب الثاني: دور القضاء في مراقبة الشروط الموضوعية
الفقرة الأولى: حول وجود الخطأ
الفقرة الثانية: الملاءمة بين الخطأ وعقوبة الفصل
المبحث الثاني: اثار الفصل المبرر للأجير
المطلب الأول: بالنسبة للتعويضات
الفقرة الأولى: الحرمان من مهلة الإخطار والتعويض عنها
الفقرة الثانية: الحرمان من التعويض عن الفصل
المطلب الثاني: مستحقات الأجير بعد الفصل
الفقرة الأولى: استخلاص متأخرات الأجور المستحقة
الفقرة الثانية: تسليم الأجير شهادة الشغل

 

(محاماه نت)

إغلاق