قصص واقعية

سوابق قضائية في القرار الإداري المعدوم في تطبيقات القضاء العراقي

تشكلت محكمة البداءة في الكرادة بتاريخ26/1/2012 برئاسة القاضي السيد سالم روضان الموسوي المأذون بالقضاء باسم الشعب وأصدرت قرارها الآتي:
المدعيـــــــــــــــــة / ص
المدعى عليه / وزير العلوم والتكنولوجيا – اضافة لوظيفته وكيله الموظف الحقوقي ح
القرار
لدعوى المدعية وللمرافعة الحضورية العلنية حيث ادعت بان المدعى عليه إضافة لوظيفته أصدر الأمر الوزاري العدد 1368 في 24/8/2011 الذي الزمها بدفع مبلغ مقداره (20,300,000) عشرون مليون وثلاثمائة ألف دينار بموجب قانون التضمين رقم 12 لسنة 2006 عن قيمة السيارة المرقمة (20183) نوع هونداي النترا موديل 2003 التي فقدت منها عند ذهابها إلى مدينة بعقوبة بسبب سرقتها من أشخاص مجهولين وتم تسجيل إخبار عن الفقدان لدى مركز الشرطة وعندما كانت في الأمانة العامة وبتاريخ 28/9/2011 علمت المدعية بالأمر أعلاه وإنها لم تبلغ به أصوليا وحيث إنها لم تتعمد فقدان السيارة وإنما كانت بواجب رسمي، فإنها تطلب الحكم بإلغاء الأمر الوزاري أعلاه .

وبعد المرافعة استمعت المحكمة إلى وكلاء الطرفين واطلعت على اللوائح القانونية ثم دفع وكيل المدعى عليه رد الدعوى لان المدة القانونية للطعن التي أشارت إليها المادة (5) من قانون التضمين رقم 12 لسنة 2006 قد انقضت والدعوى أقيمت بعد انقضائها ، ثم اطلعت المحكمة على اضبارة التضمين المودعة لدى دائرة المدعى عليه ولوحظ فيها الأمر الوزاري المرقم 1368 في 24/8/2011 الذي قضى بتضمين المدعية المبلغ المشار إليه في عريضة الدعوى، واطلعت المحكمة على الأوراق التحقيقية المودعة لدى محكمة تحقيق الخالص، حيث لوحظ قرار قاضي التحقيق المسطر على مطالعة ضابط التحقيق المؤرخة في 25/7/2004 والذي قرر فيه اتخاذ الإجراءات القانونية بصدد سرقة السيارة المشار إليها في أعلاه العائدة إلى مكتب (ص) عضو مجلس الحكم . ثم اطلعت المحكمة على مطالعة المدعية المرفوعة إلى وزير العلوم والتكنولوجيا المؤرخة في 30/10/2011 وتطلب فيها إلغاء الأمر الوزاري موضوع بحث هذه الدعوى ولوحظ إن الطلب تم استلامه من مكتب الوزير أعلاه بتاريخ 28/11/2011 ثم تمسك وكيل المدعى عليه في طلبه برد الدعوى لأنها أقيمت خارج المدة القانونية ولوحظ ان الرسم القانوني قد دفع عن الدعوى بتاريخ 15/1/2012 .

ومن خلال التحقيقات التي أجرتها المحكمة وجدت إن الثابت لديها تبلغ المدعية بالأمر الوزاري ولحوق علمها بمضمونه بتاريخ 30/10/2011 والقرينة على ذلك طلبها المقدم إلى وزير العلوم والتكنولوجيا .

وحيث أن المادة (5) من قانون التضمين رقم 12 لسنة 2006 قد حددت مدة للطعن أمدها (30) ثلاثون يوم اعتبارا من تاريخ التبلغ إلا أن المحكمة وجدت إن الأمر الوزاري أعلاه قضى بالتضمين على وفق أحكام قانون التضمين رقم 12 لسنة 2006 وان موضوع التضمين يتعلق بحادثة وقعت قبل تاريخ صدوره ونفاذه لأنه أصبح نافذ بتاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 13/11/2006 بينما حادثة سرقة السيارة قد وقعت بتاريخ 25/7/2004 وحيث أن القانون يسري من تاريخ صيرورته نافذا ويسري على الوقائع التي تقع في ظله ولا يسري بأثر رجعي إلا إذا نص على ذلك في القانون على وفق أحكام المادة (10) مدني وحيث لم يرد في القانون ما يشير بأنه يسري بأثر رجعي فلا يمكن تطبيقه على الواقعة التي حدثت قبل ذلك التاريخ وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة استئناف بغداد – الرصافة الاتحادية في العديد من قراراتها فضلا عن قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 2601/الهيئة الاستئنافية الثانية/2009 في 25/9/2008 والقرار العدد 1442/ مدنية منقول / 2010 في 27/12/2010

والذي جاء فيه الآتي (لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلا ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد أنه صحيح وموافق للقانون من حيث النتيجة لان واقعة فقدان السيارة التي بعهده المدعي المميز عليه وقعت بتاريخ 27 / 7 / 2004 قبل نفاذ قانون التضمين رقم 12 لسنة 2006 النافذ من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ولا يسري على الوقائع السابقة على نفاذه وكان على المميز اقامة الدعوى امام المحاكم للمطالبة بالتعويض عن قيمة السيارة نتيجة التقصير والاهمال واثباتها بالطرق القانونية ان كان لذلك سند من القانون فيكون الحكم المميز بالغاء قرار التضمين الصادر موافق للقانون لذا قرر تصديقه من حيث النتيجة ورد الطعن التمييزي وتحميل المميز رسم التمييز وصدر القرار بالاتفاق في 22 / محرم / 1432 هـ الموافق 27 / 12 / 2010).

وبتلك الواقعة محل بحث هذه الدعوى تكون خاضعة للأحكام القانونية النافذة في حينه وكان قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 100 لسنة 1999 هو الذي ينظم العمل المتعلق بالواقعة أعلاه وهذا يؤدي إلى نتيجة مفادها أن الوزير لا يملك صلاحية التضمين لكون حادث فقدان السيارة واقع بتاريخ 25/7/2004 وعلى وفق ما تقدم ذكره آنفا . وبذلك تجد المحكمة إنها معنية ببحث هذه النقطة القانونية حول سريان مدد الطعن تجاه ذلك الأمر الوزاري وهل الطعن فيه خارج المدة القانونية قد أضفى عليه الحصانة واكسبه درجة الإلزام والبتات؟

وعند إمعان النظر وجدت المحكمة إنها حينما تتصدى للطعن في الأمر الوزاري والنظر فيه فإنها تعمل عمل القضاء الإداري لان الطعن في الأوامر الصادرة من الإدارة تكون قرارات وأوامر إدارية يختص بها القضاء الإداري الا ان المشرع العراقي منح ذلك الاختصاص إلى القضاء العادي ممثلا بقضاء محاكم البداءة على وفق حكم المادة (5) من قانون التضمين فضلا عن القضاء العراقي ما زال يعمل بالقضاء الموحد ولم ينفصل عمله إلى قضاء عادي وقضاء إداري، إلا في حالة انعدام طرق الطعن فيه أمام محكمة القضاء الإداري على وفق حكم البند (د) من الفقرة (ثانيا) من المادة (7) من قانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 المعدل واقتصر عمل محكمة القضاء الإداري في النظر بالقرارات الموصوفة في المادة أعلاه من قانون مجلس شورى الدولة المذكور آنفا التي لم يعين مرجع للطعن فيها، وحيث ان المحكمة وجدت بأنها تخوض في الأوامر والقرارات الإدارية وان عملها يتعرض لمفردات القانون الإداري، والقرار الإداري المطعون فيه المتمثل بأمر المدعى عليه إضافة لوظيفته العدد 1368 في 24/8/2011 وجدت المحكمة من الواجب الخوض فيه والبحث في مشروعيه إصداره ومدى توفره على أركان وشروط صحته.

وبعد العرض أعلاه والثابت بان الوزير المختص لا يملك صلاحية إصدار أمر التضمين بموجب القانون رقم 12 لسنة 2006 على واقعة حصلت قبل نفاذه .

وحيث إن قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم 100 لسنة 1996 قد تم إلغاءه بموجب حكم المادة (8) من قانون التضمين رقم 12 لسنة 2006 فأصبح لا يجوز للوزير أن يستند إلى قانون او قرار له قوة القانون ملغى، فيكون لدائرته المطالبة بالتعويض عن ضرر فقدان السيارة العائدة لها امام القضاء العادي فقط، وعلى وفق القواعد العامة وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز الاتحادية 1442/ مدنية منقول / 2010 في 27/12/2010 المشار إليه أعلاه،

وبذلك فان تقدير التعويض عن الضرر اصبح من اختصاص القضاء العادي ولا يجوز للوزير ان يقرر ذلك لأنه يعد تجاوز على سلطة القضاء وحيث ان الفصل في الخصومة وطلب التعويض ان لم يكن باتفاق الطرفين هو من اختصاصات القضاء الحصرية وللمتضرر اللجوء الى القضاء للمطالبة بحقه وبذلك فان الأمر الوزاري الذي أصدره المدعى عليه محل بحث هذه الدعوى يكون صادر بلا سند في القانون وانه تجاوز على سلطة وصلاحية القضاء وهذا القرار وجد له في فقه القانون والقضاء الإداري وصف يسمى (القرار المعدوم) حيث عرفه الفقهاء ان القرار الاداري يكون معدوما اذا كان العيب الذي لحقه على درجة شديدة من الجسامة مفتقدة صفة القرار الاداري وتنزل به الى مستوى سلطة الغير ومنهم الدكتور محمد رفعت عبد الوهاب في كتابه الموسوم (القضاء الإداري ـ قضاء الإلغاء ـ الجزء الثاني ـ طبعة بيروت الأولى عام 2005 ـ منشورات مكتبة الحلبي الحقوقية ص116 ).

ويشير شراح القانون الإداري في جانب آخر إلى إن تجاوز الإدارة على صلاحيات السلطة القضائية بعد من العيوب الجسيمة التي تلحق بالقرار الإداري و إصدار السلطة التنفيذية قرارإداري هو من شأن واختصاص السلطة القضائية يمثل غصباً للسلطة، ويحكم بانعدام القرارالإداري في هذه الحالة، وهذا ما استقر عليه القضاء المقارن في بعض البلدان العربية ومنها قرار مجلس شورى الدولة اللبناني رقم 629 في 10/6/1998 الذي حدد حالات يكون فيها القرار بمثابة القرار المعدوم ومنها القرارات الإدارية التي تتجاوز على صلاحيات السلطة القضائية . ومن هذه النتيجة التي توصلت إليها المحكمة من أن الأمر الوزاري الموضوع بحث هذه الدعوى أصبح بمثابة القرار المعدوم، و من أهم الآثار التي تترتب على ذلك التوصيف للقرار هي تجريده من كل اثر قانوني ولا يعد تصرف أو عمل قانوني،

وإنما يكون عمل مادي قامت به الإدارة وهذه القرارت لا تلحقها الحصانة القضائية أو القانونية ولا تسري بحقها مدد الطعن لان الطعن فيها لا يتقيد بميعاد معين إذ يرى جانب من فقهاء القانون إن الطعن يرد على القرارات الصحيحة أما القرارات التي توصف بالمعدومة فإنها كأن لم تكن ولا يسري بحقها إي ميعاد ضربه القانون للطعن ومنهم الدكتور محمد رفعت عبد الوهاب في كتابه المشار إليه في أعلاه ص 118، ومن ذلك وحيث إن المدعية قد طلبت إلغاء الأمر الوزاري محل بحث هذه الدعوى وحيث ان لكل ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان وحيث أن الأمر الوزاري المعدوم تعد طرق الطعن فيه مفتوحة،

وبذلك تخلص المحكمة إلى نتيجة مفادها إن الطعن واقع ضمن المدة القانونية للأسباب التي تم ذكرها آنفا وحيث قد ثبت لدى هذه المحكمة إن الأمر الوزاري العدد 1368 في 24/8/2011صدر في واقعة لا يسري عليها قانون التضمين رقم 12 لسنة 2006 الذي كان السند المعتمد في إصداره وتكون إجراءات إصداره غير مستندة إلى سبب قانوني صحيح وانه بمثابة القرار الإداري المعدوم لذلك ولكل ما تقدم وبالطلب قرر الحكم بإلغاء الأمر الوزاري العدد 1368 في 24/8/2011 المتعلق بتضمين المدعية (ص) الصادر من المدعى عليه وزير العلوم والتكنلوجيا ـ إضافة لوظيفته وتحميل المدعى عليه الرسوم والمصاريف وأتعاب محاماة لوكيلة المدعية المحامية م مقداره (150،000) مئة وخمسون دينار استنادا لأحكام المواد 21 ’,25, 59 إثبات 161 ,163, 166 مرافعات 10 مدني 63 محاماة حكما حضوريا قابلا للتمييز وافهم علنا في 26/1/2012 الموافق 1/ربيع الأول/1433هـ

إغلاق