دراسات قانونية

حصانة المحامي كآلية من آليات المحاكمة العادلة (بحث قانوني)

بحث فى حصانة المحامي كآلية من آليات المحاكمة العادلة

يستوجب قيام المحاكمة العادلة توفر جملة من الشروط بعضها يتعلق باستقلاليةجهاز القضاء وبظروف سير المحاكمة والبعض الآخر يرتبط بالوضعية القانونيةوالواقعية للدفاع، أي مدى توفر جملة من الضمانات التي تسمح للمحامي بان يضطلع بدوره في الدفاع عن منوبه على الوجه الأكمل.

وفي إطار هذه الضمانات الممنوحة للمحامي تأتي مسالة الحصانة باعتبارها احد أهم الآليات التي تعزز موقع المحامي، وتضمن إلى حد بعيد توفر شروط المحاكمة العادلة.

وعليه فان المحاكمة العادلة ليست سوى اختزال لخلاصة التطور التشريعي والطبيعة القانونية التي لا بد أن تتسم بها الدولة لمنح المواطن حقوقه فتكون المحاكمة العادلة مرتبطة بالمؤسسة القانونية في مدى عدالتها.

ان معنى ومفهوم المحاكمة العادلة ليسا بالضرورة ظروفا وتقنيات بل إنهاإطار تتحرك فيه دواليب الدولة ومؤسساتها. إذا ما تحولت السلطة القضائيةإلى وسيلة في يد السلطة التنفيذية تحول جهاز الدولة بشكل اختزالي إلى أداةفي يد سلطة واحدة وفقدت السلطة التشريعية كسلطة ثالثة سلطتها، وبالتالي فان المحاكمة العادلة هي حلقة الارتباط بين الدولة والقانون وهذا الارتباط هو الممارسة السليمة للقانون.

وهكذا يكون الحق في الاستعانة بمحام حقا محوريا في شروط المحاكمة العادلة والإشكال المطروح ليس في تعيين محام ولكن في تمكين المحامي من القيام بمهامه في اطار قانوني وواقعي مريح أو مقبول.

لذا فان الاتفاقيات الدولية عندما تنص على شروط المحاكمة العادلة مؤكدةعلى حضور محام وعلى ان لا يقتصر ذلك الحضور على الشكل المادي بقدر ما يعني توفير إمكانية تقديم الدفاع في ظروف مقبولة.

ونظرا للتشعبات النظرية والفقهية الواسعة التي يثيرها أي بحث للمحاكمةالعادلة فان هذا البحث سيقتصر على مناقشة آلية واحدة من آلياتها ألا و هي حصانة المحامي أي الحماية التي يتمتع بها خلال قيامه بواجباته في الدفاع ومدى مساهمته في إنجاز المحاكمة العادلة.

معايير المحاكمة العادلة

أوّلا : في المواثيق الدولية

ثانيا: في القانون التونسي

أولا: معايير المحاكمة العادلة في المواثيق الدولية:

باعتبار أن موضوع بحثنا يتصل بحقوق الإنسان التي اجتازت الحدود الضيقةفأصبحت في أيامنا كونية مما يحيلنا ضرورة على أهم ما جاء بالتشاريعالدولية في خصوص موضوع بحثنا وكذلك بالتشريع التونسي.

* الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

تنص المادة العاشرة من الإعلان على:لكل إنسان على قدم المساواة مع الآخرينالحق أن تنظر في قضيته محكمة مستقلة و محايدة نظرا منصفا و علنيا للفصل في حقوقه و التزاماته و في أية تهمة جزائية توجه إليه.

كما جاء بالمادة الحادية عشر: كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبتإرتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه.

* العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية: 
تنص المادة 14من العهد : من حق كل فرد إن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون،كما إن من حق كل محتجز أن يحاكم حضوريا و أن يدافع عن نفسه بشخصه او بواسطة محام من اختياره و أن يحظر بحقه في وجود من يدافع عنه.

* مجموعة المبادئ للأمم المتحدة المتعلقة بحماية جميع الأشخاص اللذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الإيقاف أو السجن.
– أكدت هذه النصوص بالخصوص على الحق في اختيار محام فجاءت ناصة على أنه منحق كل مضنون فيه تكليف محام للدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات الجزائية (المبدآن 10 و 17 من مجموعة المبادئ ) و ينص المبدأ السابع من المبادئ الأساسية المتعلقة بدور المحامين على أن من حق الموقوفين الاستعانة بمحام فورا …

ثانيا: معايير المحاكمة العادلة في التشريع التونسي: 
لقد تعرض الدستور التونسي إلى جملة المبادئ التي تضمن لكل إنسان حقه في محاكمة عادلة تتوفر فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه أمام محكمةمختصة و منشأة بالقانون متركبة من قضاة مستقلين لا سلطان عليهم سوى للقانون.

* الفصل 12 من الدستور فقرة ثانية: كل متهم بريء إلى أن تثبت إدانته في محاكمة تكفل له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه.

* الفصل 165: القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون.

* الفصل الأول من القانون المؤرخ في 7 سبتمبر 1989 و المنظم لمهنةالمحاماة : المحاماة مهنة حرة و مستقلة غايتها المساعدة على إقامة العدل .

الفصل 46 : لا يترتب عن المرافعات الواقعة أمام المحاكم أية دعوى من أجلالثلب أو الشتم أو القذف أو النميمة إلاّ إذا ثبت سوء النية .

وعليه فان النصوص التشريعية دوليا أو وطنيا في مجملها أقرت بالحق فيمحاكمة عادلة وأكدت أم من ضمن آليتها وجود دفاع مستقل للمتقاضي الحقالمطلق في اختياره غير أن الاشكاليات التالية تبقى قائمة وتفرض نفسها علىبحثنا:

هل بالامكان اختزال الضمانات الحقيقية للمحاكمة العادلة في قضاء منصف و محايد يضمن حق الدفاع و يدعم حصانته ؟.
هل يمكننا الحديث عن حصانة للدفاع في القانون التونسي باعتبارها مؤسسة لها آليات وضمانات حقيقية ؟.
إن تناول موضوع “حصانة المحامي كآلية من آليات المحاكمة العادلة”، يفترضالرجوع إلى قانون المحاماة المؤرخ في 15 مارس 1958 الذي وضع لأول مرةبالفصل 41 طريقة تتبع المحامي جزائيا إذا ما أخل عند مباشرته لمهنته بنظامالجلسات القضائية كما نص نفس القانون على جملة من الضمانات الإجرائية عندتتبعه جزائيا.

ويبقى البحث في مسالة الحصانة مطروحا بأكثر حدة وجدية من خلال قانون 7سبتمبر1989، وخاصة الفصلين 45و46 منه، أمرا بديهيا باعتباره القانون الذييعكس الوضعية التشريعية الحالية للموضوع.

تهدف دراسة هذا الموضوع على المستوى النظري الى البحث في مكانة الدور الذييلعبه الدفاع في توفير شروط المحاكمة العادلة. الدور لا يمكن ان يكتمل دونما لم يتمتع المحامون بالضمانات اللازمة لممارسة دورهم بكامل الاستقلاليةوالحرية.

كما ان دراسة الموضوع تفضي حتما الى تقييم درجة الحصانة المفترضة التييوفرها القانون التونسي للمحامي ومن ثم تبين محدودية الضمانات الممنوحةللمحامي التونسي بمناسبة أداء دوره في الدفاع وعلى المستوى العملي فانحصانة المحامي كشرط للمحاكمة العادلة يمثل مطلبا أكيدا لأغلب المحامين فيتونس ولمختلف هياكل المهنة المستقلة، مما يجعل تدعيم درجتها غاية يسعى الىتحقيقها اغلب هؤلاء .

وعليه، هل يمكننا الحديث عن حصانة للمحامي في القانون التونسي باعتبارها مؤسسة قانونية ثابتة تسمح بتدعيم آليات المحاكمة العادلة؟
ان الاجابة عن هذه الاشكاليات يدفعنا بداهة لتحليل مجموعة الضماناتالممنوحة للمحامي على مستوى التشريع التونسي والتي لا ترتقي الى درجةالحصانة وهذا هو العنوان الرئيسي للجزء الأول من بحثنا.

الجزء الأول: مجموعة ضمانات لا ترتقي الى درجة الحصانة 
إن البحث في طبيعة الحصانة التي يتمتع بها لمحامي في القانون التونسي تفضيإلى القول بنسبيتها وهشاشتها الكبيرة (الفصل الأول)، كما أن التمتع بهذهالحصانة ورد مشروطا في الفصل 46 من قانون المحاماة لسنة1989 (الفصلالثاني).

الفصل الأول: ضمانات هشة:

تظهر هشاشة حصانة المحامي في عدة جوانب تشريعية وعملية، ويمكن حوصلتهافيما يتعلق بإجراءات تتبع المحامي (الفقرة الأولى) أو من خلال محدوديةالحماية التي يتمتع بها المحامي في خصوص مكتبه وحياته الخاصة. (الفقرةالثانية)

الفقرة الأولى:على مستوى إجراءات تتبع المحامي:
لقد نص الفصل 45 من قانون المحاماة المؤرخ في 7 سبتمبر 1989 إلى جملة منالإجراءات الواجب إتباعها ضد المحامي الذي يرتكب جنحة أو جناية. ويستوجبتحليل الفصل 45 التعرض إلى مسألتي السلطات المختصة بصلاحية التتبع الجزائيضد المحامي –أ- ومسالة إعلام رئيس الفرع الجهوي للمحامين وتمكينه منالحضـــور خلال استنطاق المحامي أو تفتيش مكتبه -ب-

أ?- السلطات القضائية المختصة بالتتبع الجزائي للمحامي.

لقد اقتضى الفصل 45 من القانون الحالي لمهنة المحاماة أن” المحامي المباشرالمتهم بارتكاب جناية أو جنحة أثناء القيام بأعمال مهنته أو بمناسبتهايحال وجوبا من طرف الوكيل العام على قاضي التحقيق”.

وبذلك نتبين أن المشرع التونسي قد أفرد الوكيل العام بصلاحية إثارة الدعوىالعمومية ضد المحامي وطلب إحالته على قاضي التحقيق، الأمر الذي ينجر عنهبصورة مبدئية بطلان التتبع إذا ما كانت إثارته قد تمت من قبل أية سلطةأخرى ، وذلك استنادا على الفصل 199 م.ا.ج والذي يقضي ببطلان كل الأعمالوالأحكام المنافية للنصوص المتعلقة بالنظام العام أو قواعد الإجراءاتالأساسية أو الماسة بمصلحة المتهم الشرعية.

وقد تطرح مسالة الاختصاص الترابي بالنسبة للوكيل العام المختص بإثارةالدعوى العمومية ضد المحامي. في هذا الإطار يذهب البعض إلى إمكانية الرجوعإلى الفصل 27 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي يقتضي انه”يتعهد بالتتبعاتوكيل الجمهورية المنتصب بالمكان الذي ارتكبت فيه الجريمة أو بالمكان الذيبه مقر المضنون فيه أو بالمكان الذي به محل إقامته الأخير، أو المكان الذيعثر فيه عليه”.

في رأينا أن هذا الحل القانوني غير مناسب لمسألة الاختصاص الترابي بالنسبةللتتبع المحامي لأنه بالرجوع إلى الفصل 45 نرى أن من شروط التتبع في هذاالإطار أن يكون من أجل جناية أو جنحة ارتكبت “أثناء القيام أعمال مهنته أوبمناسبتها”، وبالتالي فالوكيل العام المختص هو الذي تم الفعل بدائرة محكمةالاستئناف التي يعمل بها. وفي صورة تتبع المحامي، يتولى الوكيل العامإحالة المحامي على قاضي التحقيق بموجب قرار في فتح البحث.

وقد خص المشرع حاكم التحقيق باختصاص استنطاق المحامي محل التتبع دون غيره،أي أنه أقصى مأموري الضابطة العدلية من الاضطلاع بهذا الدور وهو أمر بديهيفي رأينا. غير أن”الإضافة: التي جاء بها الفصل 45 هي وجوب التحقيق معالمحامي حتى في صورة الجنحة المرتكبة من المحامي وذلك خلافا للمبدأ العامفي مادة الإجراءات الجزائية الذي يجعل من التحقيق مسألة إختيارية في مادةالجنح.

ويتولى حاكم التحقيق القيام بجميع الأعمال التي يتطلبها عمله من استنطاقوتفتيش وحجز وإصدار البطاقات اللازمة وغيرها. غير أن هذا المبدأ يعرفاستثناء جاءت به الفقرة 4 من الفصل 46 من قانون المهنة التي نصت على انهفي صورة التلبس يقوم مأمورو العدلية كل الإجراءات، أي البحث والحجز…فيحين أن هذه الفقرة قد تركت مسألة الاستنطاق من ضمن اختصاص القاضي المتعهدبالموضوع.

الفقرة الثانية :على مستوى حماية مكتب المحامي :
تمثل استباحة مكتب المحامي إشكالية كبرى يعاني منها المحامون في تونس أمامضعف ومحدودية الضمانات القانونية والواقعية لمكتب المحامي ووثائقهومراسلاته واتصالاته.

فإذا عدنا إلى التشريع فإننا لا نجد إلا ضمانة شكلية محدودة إلى حد بعيدتتمثل فيما نص عليه الفصل 45 من قانون 1989 في فقرته الثانية من انه”لايجوز تفتيش مكتب محام بدون حضور القاضي المختص قانونا”.

وتفضي قراءة هذا الفصل إلى القول بان حاكم التحقيق هو المختص الوحيدقانونا بالقيام بأعمال تفتيش المكتب دون أن يحق له إنابة مأموري الضابطةالعدلية لتعويضه في القيام بهذا الدور.

وتبقى أهم إشكالية مطروحة في هذا الإطار تتعلق بمسالة استقلالية القضاءوقدرته على القيام بهذا الدور بكل مسؤولية وحياد. إن إثارة هذه الإشكاليةلا تنبع من فراغ بل من واقع التتبعات المثارة ضد المحامين في تونس خاصةإذا كانت القضية ذات طبيعة سياسية.

ومن جهة أخرى فان المشرع التونسي لم يتعرض إلى مسالة الحجز بمكتب المحاميمما يجعل الأمر خاضعا إلى الفصل العام في مادة الإجراءات الجزائية والذيينص على انه”على حاكم التحقيق أن يبحث عن الأوراق والأشياء التي من شانهاالإعانة على كشف الحقيقة وان يحجزها”.

وهذا السكوت لا يمكن أن يقرا إلا على اعتباره غيابا لأي شكل من أشكالالضمانات الممنوحة للمحامي في هذا الإطار. سواء فيما يتعلق بحضور العميدأو رئيس الفرع الجهوي أو كذلك غياب أي استثناء لبعض الوثائق الخاصة أو ذاتالطابع السري. فالمشرع التونسي لم يستثني، خلافا لبعض القوانين المقارنة،حتى المراسلات المتعلقة ببعض القضايا التي ينوب فيها المحامي محل التتبعأو المرسلة إليه من زملاءه أو من حرفاءه.فهذه المراسلات تبقى خاضعة إلىالفصل 99 من م.ا.ج الذي ينص على انه”لحاكم التحقيق أن يأذن بحجز كل ما كانمن قبيل المراسلات وغيرها من الأشياء المبعوث بها إن رأى في ذلك فائدةلكشف الحقيق” .

الفصل الثاني: ضمانات مشروطة :

تنص الفقرة الاولى من الفصل 46 من قانون 1989 على انه “لا تترتب عنالمرافعات الواقعة امام المحاكم والكتابات المقدمة اليها اية دعوى من اجلالثلب او الشتم او القذف او النميمة كما وقع تعريفها بكل من مجلة الصحافةوالمجلة الجنائية الا اذا ثبت سوء النية “.

ان القراءة المعاكسة لهذه الفقرة تفضي بالقول الى حصانة المحامي أمامالمحاكم بمناسبة مرافعاته وتقاريره لا تتوفر الا متى كان حسن النية. وحسنالنية يبقى من أكثر المفاهيم اثارة للجدل باعتباره مفهوما غير محدد وقابللأكثر من تأويل بل يمكن يتباين تفسيره بين شخص وآخر بصورة كبيرة.

لذلك لا بد من محاولة تحديد هذا المفهوم (الفقرة الاولى)، ثم البحث فيمسالة تتبع المحامي متى ثبت سوء نيته في مرافعة او تقرير مقدم الىالمحكمة. (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: مفهوم حسن النية الوارد بالفصل 46
يمثل سوء النية استثناء لمبدأ عدم مؤاخذة المحامي و المشرع لم يوضح متىيكون المحامي سيء النية في مرافعاته او في تقاريره . و يكون بذلك قد تركالمجال لمطلق اجتهاد القاضي فهو الذي يستشف سوء النية و يرتب الحدّ منالحصانة و يجعل من المحامي محل مؤاخذة إذا كانت مرافعاته أو كتاباته تتمعن سوء نية.

إذن فان القاضي هو الذي يعطي لمبدأ عدم مؤاخذة المحامي الجدوى في تفعيلالمحاكمة العادلة لذلك تدخل حصانة المحامي و استقلال القضاء في علاقةجدلية لا يمكن لإحداهما أن تتحقق بدون أخرى.

وتجدر الاشارة في البداية إلى أن هناك واجب الاحترام تجاه المحاكم محمولاعلى المحامي و يعتبر اليمين التي يؤديها قبل مباشرته خير دليل على ذلك ،كما جاء بالفصل الخامس من قانون تنظيم مهنة المحاماة لسنة 1989 ” اقسمبالله العظيم أن أقوم بأعمالي في مهنة المحاماة بأمانة و شرف و أن أحافظعلى سرّ المهنة و أن أحترم القوانين و أن لا أتحدى الواجب المحاكم وللسلطة العمومية ” .

غير أن عمومية عبارات هذا الفصل لا تسمح بإعطاء مدلول واضح لواجب حسن النية المحمول على المحامي، خاصة في غياب فقه قضاء مستقر وواضح.

ومن خلال الحكم الجناحي الابتدائي عدد 51906 المؤرخ في 03 ماي 2005 الصادرالمحكمة الابتدائية بقرمبالة المتعلق بتتبع الاستاذ فوزي بن مراد ، فانالمحكمة ادانت المحامي المذكور من اجل تهمة انتهاك حرمة موظف بالقولوالتهديد بالجلسة من النظام العدلي طبق الفصلين 125 و126 من المجلةالجنائية والفصل 46 من قانون المحاماة، بناء على توجهه الى رئيس المحكمةبالعبارات التالية:”اسكت انت، وقت يتكلم لسان الدفاع حتى حد ما يقاطعو”. ويمن ان نستخلص ان غياب مفهوم واضح ودقيق لمفهوم سوء النية يشكل تهديداكبيرا لحرية المحامي وحصانته بمناسبة أداءه لرسالته.

الفقرة الثانية: تتبع المحامي سيء النية
على الرغم من الجدل الواسع الذي أثاره الفصل 46 من قانون المهنة في الجانبالمتعلق بالاستثناء الوارد بمناسبته اذا ثبت أن المحامي سيء النية وعلىالرغم كذلك من جميع النداءات التي تتالت من مختلف هياكل مهنة المحتاماةوالداعية لتنقيحه في اتجاه يحفظ للمهنة حرمتها ويوفر للمحامين ضماناتحقيقية فان السلطة التنفيذية لم تستجب لذلك ولم تقدم على تنقيح هذا الفصلالذي بقي سيفا مسلطا على رؤوس المحامين ولئن أظهرت التجربة أنه لم يتماستعمال هذا الفصل الا مرة واحدة منذ تنقيخ 1989 فان خطورته تبقى قائمةكما أنه يجعل من التشريع الونسي المنظم لمهنة المحاماة حالة استثنائيةأمام تشاريع عديد الدول الغربية وحتى العربية حقيقة أن تتبع المحامي لايمكن أن يكون على أساس النوايا بل الافعال.

الجزء الثاني: ضمانات لا تتوفر على شروط المحاكمة العادلة

لقد جاء هذا المبدأ بالفصل 46 من قانون تنظيم مهنة المحاماة له 1989 الذياقتضى أنه : لا تترتب عن المرافعات الواقعة أمام المحاكم و الكتاباتالمقدمة إليه أية دعوى من أجلا لسب أو الشتم أو القذف أو النميمة كما وقعتعرفها بكل من مجلة الصحافة و المجلة الجنائية إلاّ إذا ثبت سوء النية .

الفقرة الأولى: حدود متأتية من صياعة النص ذاته :

الاستثناء لمبدأ عدم مؤاخذة المحامي هو سوء النية و المشرع لم يوضح كيف ومتى يحدث سوء النية . و يكون بذلك قد ترك المجال لاجتهاد المطلق للقاضيفهو الذي يستشف سوء النية و يرتب الحدّ من الحصانة و يجعل من المحامي محلمؤاخذة إذا كانت مرافعاته أو كتاباته تتم عن سوء نية إذن القاضي هو الذييعطي لمبدأ عدم المؤاخذة المحامي الجدوى في تفعيل المحاكمة العادلة لذلكتدخل حصانة المحامي و استقلال القضاء في علاقة جدلية لا يمكن لإحداهما أنتتحقق بدون أخرى. نشر في البداية إلى أن هناك واجب الاحترام تجاه المحاكممحمولا على المحامي و يعتبر اليمين التي يؤديها قبل مباشرته خير دليل علىذلك ، كما جاء بالفصل الخامس من قانون تنظيم مهنة المحاماة لسنة 1989 ” اقسم بالله العظيم أن أقوم بأعمالي في مهنة المحاماة بأمانة و شرف و أنأحافظ على سرّ المهنة و أن أحترم القوانين و أن لا أتحدى الواجب المحاكم وللسلطة العمومية ” .

و يتجه الفقه في أن على المحامي أن يمتنع بشكل صارم عن أي عمل يمكن أنينال من استقلال القضاء … كما لا يجب أن تكون العلاقة بين القضاة والمحامين عرضة “لإساءة الدفاع ” إذن ما هي حدود حصانة المحامي خاصة و أنالنية هي حالة كامنة في النفس لا يمكن لأي كان أن يستقرئها إلاّ من خلالتجسيداتها الخارجية و المادية فالاستثناء لمبدأ الحصانة هو استثناء هام والمشرع أو كل تفسيره للقاضي لذلك ارتأينا البحث عن مفهوم سوء النية فيالقوانين الأخرى علنا نهتدي إلى مفهوم يمكن من خلاله جعل لهذا الاستثناءمواصفات موضوعية .

سوء النية في القانون المدني هو التغرير أي إخفاء عيوب الشيء حتى يظهرللغير بالصفة الغير حقيقية أي الخزعبلات التي توقع الغير في الغلط .

سوء النية في القانون الجنائي : هو القصد الجنائي أي القيام بعمل أو عدمالقيام به مع المعرفة أن ذلك الفعل مجرم و معاقب عليه بنص سابق الوضع .

ما لمراد بسوء النية في الفصل 46 ” يشهد مبدأ الحصانة تراجعا هاما مما يمسبمبدأ استقلالية المحامي و حرية حق الدفاع و ذلك إذا تعسف المحامي فيممارسة مهنته و كان ذلك عن قصد “

هل سوء النية هو تعسف في استعمال الحق متى يتعسف المحامي في استعمال الحق .

لم يذكر قانون سنة 1989 المنظم لمهنة المحاماة هذه الحالة .

التعسف في استعمال الحق ينظمه الفصل 103 من م ا ع الذي يقتضي ” أن من فعلما يقتضيه حقه بدون قصد الإضرار بالغير فلا عهدة مالية عليه .”

هل يجيب هذا الفصل عن مفهوم سوء النية و هو قصد الإضرار . و لكن هنا قصدالإضرار يستشف من وقوع الضرر فالنص القانون أي الفصل 103 لا يحمل مسؤوليةإلاّ لمن أضر الغير و كان له قصد الإضرار أي أن وقوع المضرة وحدها بدونقصد الإضرار لا يكفي لقيام مسؤولية الفاعل .

إذن نظرية التعسف في استعمال الحق لا تتماشى و مفهوم الفصل 46 من قانونمهنة المحاماة الذي يكتفي بحصول سوء النية ليلغي الحصانة الذي يتمتع بها .

فالفصل 46 من قانون تنظيم مهنة المحاماة نظم حالتين من حالات عدم احترامالمحاكم يمثل الحالة الأولى في ارتكاب الجريمة أمام هيئة المحكمة . و تمثلالحالة الثانية في استهداف الجريمة هيئة المحكمة و ينظم الحالة الثانيةالفصل 126 من المجلة الجنائية الذي يقتضي ” إذا كان انتهاك الحرمة واقعابالجلسة لموظف من النظام العدلي فالعقاب يكون بالسجن مدة عامين و يكونالعقاب بالإعدام إذا وقع الاعتداء بالعنف باستعمال السلاح أو التهديد بهضد قاض بالجلسة “و بالتالي فإن قانون تنظيم مهنة المحاماة لسنة 1989 لمينظم الجرائم بل أحالها على المجلة الجنائية. و مجلة الصحافة و نصوص أخرىمتفرقة و يكون من الأسلم لو يحصر المشرع صراحة قائمة الجرائم التي قديرتكبها المحامي في إطار مباشرته لمهنة المحاماة حتى تكون إدانته قائمةعلى نص قانوني جزائي صريح اعتبارا و أنه لا يجوز التوسع و لا القياس فيالنصوص الجزائية و يمكن ذكر قرار حديث عن محكمة التعقيب أيدت فيه المحكمةما جاء بالحكم الابتدائي والاستئنافي و رفضت مطلب التعقيب أصلا بعد قبولهشكلا و قد جاء بإحدى حيثيات الحكم الابتدائي القاضي بالإدانة طبق الفصلين 125 و 126 من المجلة الجنائية و الصادر في 17/06/1999 ما يلي ” فإن نيةالمتهم كانت منصرفة أساسا إلى انتهاك حرمة القضاة الجالسين مثلما تؤيدهالعبارات الصادرة عنه و هيجانه بالجلسة و رفضه الرجوع للمكان المخصصللمحامين عند الترافع و شهادة الشهود و توجهه لرئيس الجلسة بعبارة “أنتديمة هكاكة معايا ” ، يؤكد تعمده انتهاك حرمة القاضي المذكور إذ أنالعبارات السالف ذكرها قد وجهت لشخص هذا الأخير و عن قصد لإحراجه و تقليلالاحترام الواجب له خاصة و أن التهجم تم بجلسة علنية و على مرأى و مسمع منجميع الحاضرين …”

كما أكدت محكمة التعقيب التونسية على وجوب توفر الأركان القانونية لجريمةهضم جانب موظف من النظام العدلي ، و جاء في إحدى حيثيات القرار ما يلي :

أن جريمة الفصل 126 من المجلة الجنائية لا تقوم و تستقيم إلاّ بتوفرأركانها الثلاثة و التي من ضمنها أن يكون هضم الجانب بالقول أو الإشارة أوالتهديد مقصودا من الجاني و موجها في نفس الوقت إلى الموظف بنية الإساءةإليه أو النيل من اعتباره وجاهة “.

و قد أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي المذكور بتاريخ 29 جوان 2000 واعتبرت و أن المتهم قد ” بادر بالاستهزاء بالحكم التحضيري السابق كمااستعمل لهجة هستيرية جاء في مخاطبة المحكمة و خروجه من المكان المخصصللمحامين متقدما نحو منبر المحكمة ملوحا للمحكمة بإشارات بيديه ، كل هذالا يمكن أن يعتبر مرافعة قانونية تتسم باحترام آداب المهنة وإجراءاتالتقاضي.

إذن الحالات التي يؤاخذ فيها المحامي حسب فقه القضاء هي طبق الفصول 125 و 126 من المجلة الجنائية و الذين يتعلقان بالانهاك حرمة موظف عمومي بالقولأو بالاشارة او التهديدو هي تعني الأشخاص و الأفراد من الناس بينماالمحامي لا يمكن أن يعامل كفرد من عموم الناس ضرورة أن الضمانات القانونيةالتي توفر لحقوق الدفاع و تتجاوز القانون المنظم لمهنة المحاماة إذ نجدهافي الدستور التونسي و هو أعلى نص في المنظومة القانونية و تحديدا فصل 12إذن لم نعثر على قرار يؤاخذ محامي طبق الفصل 46 من قانون المهنة صراحة وهو الذي استثنى مبدأ الحصانة بسوء النية حسب اعتقادنا يؤدي هذا الاستثناءإلى سحب الحصانة متى أراد القاضي ذلك و بالتالي فإن تحقيق المحاكمةالعادلة هو رهين توفر ظروف ملائمة و مناخ ديمقراطي حتى ترقى حصانة المحاميإلى أن تصبح آلية من آليات المحاكمة العادلة إلاّ عندما يكون هنالك احترامللمؤسسات الدستورية و إطلاق حرية التعبير بالنسبة لفقه القضاء الفرنسي فهويحرم الأفعال التي يقوم بها المحامي و المتمثلة في عبارات و مواقف تكونسلوكا متناف و واجبات المحامي المضمنة باليمين التي يؤديها . و يعرف الفقهالفرنسي المؤسسة القضائية بمحملها على أنها une valeur de civilisation qui postule une demarche particuliere de la part de ceux qui la rendent et de leurs partenaires “

و يكون من الأسلم لو يحصر المشرع صراحة حالات سحب الحصانة حتى يكون هذهالحالات تقوم على إدانة واضحة بمقتضى نص قانوني جزائي صريح لا يجوز التوسعفيه و لا القياس عليه باعتبار أن النصوص الجزائية تخضع إلى تأويل ضيق و لايمكن التوسع في تأويلها غير أنه جاء نص الفصل 46 من القانون المنظم لمهنةالمحاماة نصا يحد من حصانة المحامي بصيغته المبهمة و التي جعلت حدّا لهااستثناء يمكن تأويله حسب المناخ السياسي و ملاءمته لمحاكمة عادلة أم لا وبالتالي تصبح المحاماة و دورها الريادي في لدفاع عن حقوق لأفراد كحريةالتعبير وحرية الرأي و كل ما تستلزمه مستحقات.

الفقرة الثانية : حدود متأتية من تأويل النص القانوني المبهم و المنظم لحصانة المحامي :
حسب اعتقادنا إذ أريد أن يكون النص المنظم لحصانة المحامي مبهما فذلك يعبرعن رسالة واضحة تتمثل في جعل هذه الحصانة رهينة المناخ السياسي و مكانةالقضاء متقاطعة مع المعايير الأخرى السابق بيانها لانجاز المحاكمة العادلةومنها احترام المؤسسات الدستورية ، و التفريق بين السلط ، و استقلاليةالقضاء …

فلنرى كيف فك القاضي إبهام النص الذي ينظم حصانة المحامي : يقضي الفصل 46من قانون7 سبتمبر لسنة 1989 أنه لا تترتب عن المرافعات الواقعة أمامالمحاكم و الكتابات المقدمة إليها أية دعوى من أجل السب أو الشتم أو القذفأو النميمة كما وقع تعريفها بكل من مجلة الصحافة و المجلة الجنائية إلاّإذا ثبت سوء النية .

* تعريف الجنح الثلاثة المذكورة بمجلة الصحافة و المجلة الجنائية : 
عرف الفصل 53 من مجلة الصحافة السب بكونه “كل إدعاء أو نسبة شيء بصورةعلنية من شأنه أن ينال من شرف أو اعتبار شخص أو هيئة رسمية ” و نظم علىذلك عقوبات جسدية ومادية.

عرف الفصل 54 جريمة الشتم بكنه “يعتبر شتما كل عبارة تنال من الكرامة أولفظ احتقار تتضمن نسبة شيء معين ” و نظم على ذلك عقوبات مادية و جسدية ويعتبر ركن العلانية أساسا لقيام جريمة الشتم و الثلب هو الإشهار بمكانعمومي ، و لقد حدد الفصل 46 من قانون تنظيم المحاماة المحاكم باعتبارهاالمكان الطبيعي الذي يمارس فيه المحامي مهنته بصفة مباشرة ، إضافة إلى أنهيتولى فيه المرافعة و تقديم التقارير و بذلك يكون قد اعتبر قاعة الجلساتمكانا عموميا بالتخصيص .

و قد اعتبرت محكمة النقض المصرية في قرارها الصادر في 15 فيفري 1931 قاعةالجلسة في الوقت المحدد لانعقاد الجلسات تعتبر من المحلات العموميةبالتخصيص ، و الجهر بالقول أو الصياح في ذلك الوقت يوفر ركن العلانية كماعرف الفصل 58 من قانون الصحافة جريمة الثلث بأنه ” كل نقل لأمر منسوب وثبت قضائيا أنه من قبيل الثلب يعتبر صادرا عن سوء نية ما لم يقعالإدلاءبما يثبت خلاف ذلك ” و هنا فسر المشرع مفهوم سوء النية التي يتكون منقرينة قابلة للدحض بالنسبة لفقه القضاء التونسي، هنالك قرار مؤرخ في 10أكتوبر 1964 عدد 1658 يعتبر أنه ليس من الضروري لقيام جريمة الثلب أن يكونالمعتدي عليه معينا باسم و إنما يكفي أن تكون عبارات الثلب موجهة بصورةيسهل معها فهم الشخص المقصود منها ، و عدم مراعاة الإجراءات التي جاء بهاالفصل 41 من قانون تنظيم مهنة المحاماة لا يوجب بطلان التتبعات الجزائيةضد المحامي لارتكاب جريمة بمناسبة تأديته لواجب مهنته فتحي شلبي : القذف والثلب و الشتم في القانون الجنائي و قانون الصحافة ، و مجلة القضاء والتشريع عدد 7جويلية 1985 ص 24 و 28 و 30 إلى 45 بتصرف . فعندما تكونصياغة النص المنظم للحصانة على النحو التالي لا تترتب عن المرافعاتالواقعة أمام المحاكم و الكتابات المقدمة إليها أية دعوى من أجل السب أوالشتم أو القذف أو النميمة كما وقع تعريفها بكل من مجلة الصحافة و المجلةالجنائية إلاّ إذا ثبت سوء النية لم يحدد فقه القضاء مفهوم لسوء النية وبذلك يمكن الكيل بمكيالين فهنا يعتبر ذاك المحامي عن سوء نية و هناك يعتبرعن حسن نية و يصبح التحديد inconcreto أي حسب مقاييس لا تخضع للموضوعيةفما يعتبره قاض حادث عن سوء نية ليس كذلك لقاض آخر و ما يطبق على محام لايطبق على محام آخر و بالتالي تسحب الحصانة عندما يراد إلغاء حقوق الدفاع وتسلط تتبعات جزائية عليهم و تبقى الحصانة عندما لا تشكل أي إزعاج للسلطةالسياسية لذلك غالبا ما يكون المحامي في قضايا الرأي و الحريات مهددابالتتابعات فلا يمكن له أن يتمسك بالحصانة المنظمة بالفصل 46 لأن سحبهاممكن و سهل أن يتهم بأن مرافعته كانت عن سوء النية باعتبار أن سوء النيةإشارة مانعة للحق الممنوح و المتمثل في الحصانة . فمحمول على القاضي بحكماليمين الذي يؤديها قبل تنصيبه في وظيفته و هي التالية:

“اقسم بالله العظيم أن أقوم بوظائفي بكل حياد و نزاهة و أن التزم بعدمإفشاء سرّ المفاوضات أثناء تولي القضاء وبعده و أن يكون سلوكي سلوك القاضيالأمين الشريف ”
إن يؤول النص الغامض تأويل القاضي الأمين الشريف ضمانة في ان لا يفرغمحتوى الحق الممنوح بتأويل غير حيادي أو غير نزيه . فالقاضي هو الذي ينجزالمحاكمة العادلة و هو الذي كذلك لا ينجزها عندما يصادر حقوق الدفاع و هوالذي اقسم على شرف الحياد و النزاهة و عدم خيانة الأمانة و عدم افشاء سرالمفاوضات إن المشرع بمفرده لا يصنع تاريخا و لا يقيم عدلا فالأمر موكوللكل من يتداول أطراف الحياة الاجتماعية و السياسية كالفقهاء و القضاة والمحامون … كل له دور في تفعيل آليات العدالة الاجتماعية و السياسية .

و رغم أنه يجدر بالنص التشريعي أن يكون واضحا فيما يتعلق بالحقوق الجوهريةفأننا يمكن أن لا نخشى من تأويل نص مبهم أو غير واضح عندما تكون هناك حركةفقهية و كتابات كثيرة تنبه و تقود القضاة و المحامون في عملهم اليومي .

كما يمكن أن لا نخشى من تأويل نص غامض عندما نكون متأكدين أن القاضي محايدو نزيه و أمين و شريف و عندما يكون المحامي يحترم القانون في إطار حقالدفاع و استقلاليته فلا يمكن للمشرع بمفرده ان يقودنا نحو الحرية والعدالة بدون تناغم كل المؤسسات و وعيها بهدفها في المساعدة على إقامةالعدل . نضرب مثلا بالقضاء الإداري هذا القضاء الذي أسس فقهه على تدعيمحماية حقوق الأفراد و يكرس مفهوم المواطنة و يقوم برسالة حضارية حقا فيحماية حق الفرد ضد تجاوز السلطات .

فلو شهد القضاء العدلي هذه الحركية و هذا الاجتهاد الخلاق لأصبح الفصل 46رغم نقائصه ،فصلا ينظم بحق حصانة المحامي بصورة واقعية باستثناء حالاتيحددها فقه القضاء عندئذ و تصبح معلومة عند الجميع و غير قابلة لتأويل يمسمن مبدإ الحصانة ذاته و مؤسسة للدفاع .

إن أي مشرع في أي بلد لإن كان محمولا عليه مراعات الحقوق الجوهرية عندصياغة القانون ، ليس محمولا عليه تحديد الحقوق و الحريات بكامل الدقة و إنيكون متيقظا لحالات ضياع هذه الحقوق لأن ذلك محمول على بقية السلط و مدىإرادتها في إنجاز المشروع الديمقراطي .

الفقرة الثالثة: الحدّ من حصانة المحامي و قانون مكافحة الإرهاب :
لقد أقر القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في سنة 2003 لمكافحة الإرهاب بمايتنافى و مبدأ حصانة المحامي و إنجاز المحاكمة العادلة بإعتبارها حق أساسيأقره الدستور ضمن الفصل 12 من الدستور التونسي في فصله الثاني عشر فقرةثانية ” بأن كل متهم يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته في محاكمة تكفل فيهاالضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه.

أ/ : الدستور و قانون مكافحة الإرهاب: علاقة تناقض . 
ضمن الدستور مبدأ المساواة أمام القانون و ذلك بافتراض قرينة البراءة فيحق كل متهم إلى أن تثبت إدانته في محاكمة تكفل فيها الإجراءات الضروريةللدفاع عن نفسه إذن تتمثل غير أن هذا القانون في استبعاده للاجراءاتالمضمنة بمجلة الاجراءات الجزائية و التي فيها ضمان للمتهم و لحق الدفاععن نفسه في محاكمة عادلة .

ب/ في ما يتعلق بحق الدفاع و الحقوق الأساسية للمتهم :

بمقتضى الفصل 54 الذي نص على انه يعاقب بالسجن من …. و بخطية كل من أفصحعمدا عن أي معطيات من شأنها الكشف عنهم لغاية إلحاق الإذى بهم و الإضراربمكاسبهم ، هذا العقاب يشمل المحامي بصفته يطلع على الملف حتى يتمكن منالالمام بالمعطيات و بالتالي الدفاع عن منوبه و نفهم من هذا أن النيابة فيالجرائم الإرهابية هي مخاطرة في حدّ ذاتها وبالتالي نخرج عن إطار مبدأحصانة المحامي و استقلاليته .

هنا المحامي يدخل تحت طائلة عقوبة الفصل 54 و هي عقوبة قاسية خاصة و أنقانون مكافحة الإرهاب قد استبعد القواعد الإجرائية العادية و من ضمنهاقواعد الاثبات ‏ هذا و قد سن الفصل 22 : واجب اشعار فوري للسلط العموميةلا يستثني منه من كان خاضعا للسر المهني مثل المحامي . التخلي عن هذاالواجب يعاقب عليه بعقوية بالسجن من عام إلى خمسة أعوام و بخطية من ألفإلى خمسة آلاف دينار .و هو ما يمثل تناقضا صارخا و تقاليد المهنة بحيثيصبح المحامي مخبرا و تعتبر حالة من حالات الإفشاء الوجوبي للسر المهنيالتي لا يخضع لها المحامي.

ج/ في ما يتعلق بحياد القاضي و استقلاليته : 
غير قانون مكافحة الارهاب قواعد الاختصاص الترابي بالنسبة لإثارة الدعوىالعمومية إذ جعل لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس اختصاص مطلق (الفصل 34 و جعل من وكلاء الجمهورية المتواجدين في دوائر قضاء أخرى عبرولايات الجمهورية لا يقومون إلاّ بالابحاث الأولية و المتأكدة على أنيضعوا المتهم و تقاريرهم و المحجوز على ذمة وكيل الجمهورية بتونس) .

كما يتمتع مأمورو الضابطة العدلية المؤهلون لمعاينة الجرائم الارهابيةالتابعون لدائرة المحكمة الابتدائية بتونس بصلاحية مباشرة وظائفهم بكاملتراب الجمهورية دون التقيد بقواعد الاختصاص الترابي (الفصل 132) بحيث يخلقهذا القانون نوعا من الملاحقة المتهم بالارهاب و تجميع المعلومات عندالسلطة المركزية القائمة بالتتبع خاصة و أن قرينة الإدانة هي التي تفترضعند إثارة النبع في الجريمة الارهابية إذن لقد فقدت الضمانات القانونيةالتاي تكفل عدم المساس بالحرمة الجسدية و بالحقوق الأساسية للمظنون فيه .

*1/في ما يتعلق بالمحاكمة : 
فقد أقر قانون 10 ديسمبر 2003 اختصاص مطلق للمحكمة الابتدائية بتونس للنظرفي الجرائم الارهابية . “مما يجعلنا أمام محاكم استثنائية بحكم الواقعخاصة و أن هذا التخصيص قد رافقته قواعد إجرائية خاصة قد تجعل من المبررالقول بإن هذا الإجراء يعد خرقا لا حد المبادئ القانونية الهامة و هوالمساواة أمام القانون “

هنا القضاة هم قضاة معينون للنظر في هذه الجريمة فهل سيحافظون على الحيادو الإنصاف و هل سيكفلون الضمانات الضرورية للمظنون فيه للدفاع عن نفسه وهو الذي يعتبر مدانا إلى تثبت براءته كيف ذلك و قد حذفت كل الضمانات التيتوفرها نصوص محله الاجراءات الجزائية .

2/ جريمة مكافحة الإرهاب و المحاكمة العادلة : 
لا يمكن استبعاد المحاكمة العادلة لمكافحة الارهاب ذلك لاعتقادنا بأنالمضنون فيه يجب أن يمكن من كل حقوقه الأساسية و منها حقه في محاكمة عادلة .

فالجريمة الارهابية تجعل كل مؤسسات المجتمع في خطر لذلك يجب القضاء علىجذور الارهاب و أسبابه و ليس على تمظهراته كل جريمة في حق الفرد أوالمجتمع يجب أن تدان في إطار محاكمة عادلة تتوفر حصانة حقيقة للدفاع لأن خلاف ذلك يمس من مؤسسة الاستقلالية القضاء و الحقوق الأساسية التي ضمنها الدستور و من ضمنها الحق المقدس للإنسان في الدفاع وفي ردّ التهمة المتعلقبه سواء بنفسه أو بواسطة مؤسسة المحاماة التي لا يمكن لها القيام بواجبهاإلاّ مع ما يكفي من الحصانة .

إذا كان الفصل 46 قد أقر مبدأ حصانة المحامي و لكنه مستثنيا من هذهالحصانة المحامي السيء النية . هذا القانون اعتدى على مؤسسة الدفاع نفسهاو ذلك بسن عقوبات تسلط على المحامي نفسه الذي بمناسبة اطلاعه على أوراق الملف أبلغ حريفه او ذكر بصفة علنية أسماء شهود أو مأمورى الظابط العدليةأو القضاة أو عائلاتهم .

قد بينا في البداية أن المحامي ينوب ليصبح شريكا في القرار فهو يقدح في الشهود و يجرح في الحكام و يطعن ببطلان الإجراءات و شرعية التدابير . فقانون مكافحة الإرهاب لا يمكن المحامي من القدح في الشهود باعتبار أن ذكرأسمائهم (يعرضهم للخطر ) و يعاقب المحامي على فعل ذلك . و المحامي لا يجرح القضاة باعتبار أن هذا القانون يمنع ضمنيا فإن القضاة معينون بصفة خاصةللنظر في هذه القضايا أما الطعن ببطلان الاجراءات و شرعية التدابير فهوأمر مستحيل ذلك أن قانون مكافحة الارهاب استعد الاجراءات العادية التي تضمن حق الدفاع وحياد القاضي

الخاتمة

ان المتتبع لتاريخ ومسيرة المحاماة التونسية التي تجاوزت القرن منذ صدورالامر المنظم لمهنة الوكلاء في ماي 1885 ثم القانون المحدث لهيئة المحامين بتونس سنة 1887 يلاحظ دون عناء ا، مسيرة المحاماة التونسية ارتبطت بالنضالات المتواصلة لأصحاب الزي الأسود من أجل الحصول على الضماناتالواقعيو والقانونية التي تمكنهم من أداء واجبهم دون الخضوع لسلطان الخوفوالترهيب الذي تلجأ اليه من حين لآخر السلطة السياسية لاسكاتهم، ولئن أقرالقانون الحالي المنظم للمهنة أخيرا بأن المحاماة حرة مستقلة ورتب بعض الضمانات للمحامي أثناء أداء مهمته غير أن تلك الضمانات لم ترتق الى مرتبةالحصانة التي بقيت مطلبا ملحا تتناقله مختلف أجيال المحامين التونسيين التي ترنو إلى تحقيقه ولسان حالها يردد قول المتنبي :

وما نيل المطالب بالتمني ولكن تأخذ الدنيا غلابـــا
وما استعصى على قوم منال اذا الاقدام كان لهم ركابا

(محاماة نت)
إغلاق